قوله:{أَوَلَمْ يَرَوْا} تقدَّمَ الكلامُ على مِثلِ هذا التركيبِ، وذَكَرْنَا أن الهمزةَ للاستفهامِ، والواو حرفُ عَطْفٍ، وهل الهمزةُ مقدَّمَة عن مكانها أو لا؟ وذَكَرْنَا أن في ذلك خلافًا، وأن الأرْجَحَ أن الهمزةَ للاستفهامِ، وأن الواو عاطِفَةٌ على ما قَبْلَها.
قَال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{أَوَلَمْ يَرَوْا} يَعْلَمُوا ذلِكَ]: لأن الرُّؤيَةَ نوعان: عِلْمِيَّةٌ، وبَصَرِيَّةٌ، إن تَعَدَّتْ إلى مَفْعولين فهي عِلْمِيَّةٌ، كقولك:(رأيتُ العِلْمَ نافِعًا)، وإن تعَدَّتْ إلى مفعولٍ واحد فَهِي بصَرِيَّة، كقولك:(رأيت فلانًا).
ومثال الرؤيةِ العِلمِيَّةِ في القرآن قوله تعالى: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (٦) وَنَرَاهُ قَرِيبًا} [المعارج: ٦ - ٧]، أي: نَعْلَمُه قَرِيبًا، والرؤْيَةُ في {يَرَوْنَهُ} الأُولى رؤيةٌ ظُنٍّ أي: يَظُنُّونَه بعيدًا.
وقوله:{جَعَلْنَا حَرَمًا} الحَرَمُ ما له حُرْمَةٌ، أي: تَعْظِيمٌ، وسُمِّيَ التَّعْظِيمُ حُرمة؛ لأنه يمْنَعُ بهذا التَّعْظِيمِ ما كان سَائغًا لَوْلَاهُ، ومن جُملَةِ حُرماتِ مكَّةَ: تحريمُ قتلِ الصَّيْدِ، والقتالِ فيها، وقَطْعِ الشجَرِ، وحَشِّ الحَشِيشِ، حتى الحيواناتِ غيرِ المؤْذِيَةِ يجبُ أن تكون آمنة.