للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم حكَمَ اللَّه تعالى بين الطَّوائفِ فقال: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ} محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: ٦٨].

قوله: {وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ}، (اللام) في قولِهِ: {لَمِنَ الصَّالِحِينَ} للتَّوكيدِ، فالجُملةُ مؤكَّدَةٌ بـ (إنَّ) و (اللام).

وقوله: {الصَّالِحِينَ} أي الذين لهم الدَّرجاتُ العُلا، والمراد هنا أعْلى أنواعِ الصَّالحينَ وهم الأنبياءُ أو الرُّسلُ؛ لأن إبراهيمَ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنْ أُولِي العَزمِ الخمسةِ، وهم: مُحَمَّدٌ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإبراهِيمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، ومُوسى وعيسَى، ونُوحٌ -عليهم السلام-.

وقوله: {لَمِنَ الصَّالِحِينَ} إذا جاءتِ (الصالحون) وحْدَهَا شَمِلَتْ كُلَّ الأجناسِ الأربعة، وهم: النَّبِيُّونَ والصَّدِّيقُونَ، والشُّهداءُ والصَّالحونَ.

[من فوائد الآية الكريمة]

الفَائِدةُ الأُولَى: أن الذُّرِّيةَ التي يَمُنُّ اللَّهُ بها على العَبدِ مِنْ مِنَحِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لقولِهِ: {وَوَهَبْنَا لَهُ}، لكن هذه المِنْحةَ قد تكون مِحْنَةً إذا أضاعَ الإنسانُ حقَّ اللَّه فيهم، ثم هو مأجورٌ على تَرْبِيتِهِمْ وتَوجِيهِهِمْ، والغالبُ إذا قامَ الإنسانُ بما يجِبُ للَّه في تربِيَةِ أولادِهِ فإنهم يَصْلُحونَ ولو في المستَقْبَلِ.

الفَائِدةُ الثَّانِيةُ: أن ابنَ الابنِ ابنٌ؛ لأن يعقوبَ ابنُ ابنِ إبراهيمَ، وجَعَل اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إسحاقَ مَوهُوبًا لإبراهيمَ، ويدل لِذَلكَ قولُ الرسولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ في الحسنِ ابنِ عَليِّ بنِ أبي طالب: "إِنَّ ابْنى هَذَا سَيِّدٌ" (١)، والعلماءُ أجْمَعوا في بابِ الميراثِ أنَّ ابنَ الابنِ بمنزلَةِ الابنِ عندَ فَقْده، وإذا كان ابنُ الابنِ ابنًا لَزِمَ أن يكونَ أبو الأبِ أبًا.


(١) أخرجه البخاري: كتاب الصلح، باب قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- للحسن بن علي -رضي اللَّه عنهما-، رقم الحديث (٢٥٥٧).

<<  <   >  >>