من جِهةِ الإذنِ الشَّرْعِيِّ، فرخَّصَ لهم وأباحَ لهُمْ ما هو أعظمُ من هذا، فإن التَّوحيدَ وغيرَهُ مما هو أكبرُ مِن قراءةِ القُرآنِ لا شكَّ أن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يأْذنُ به أكثر، والحاصلُ أنه لا يَلزمُ من هذا أيضًا إثباتُ الأُذُن؛ لأنه ليسَ بصَرِيحٍ، والصفاتُ لا يُمكنُ أن نُثْبتَهَا بالاحتمالِ، فلا بُدَّ أن تكونَ المسألةُ واضِحةً وصريحةً.
وقوله:{العَلِيمُ}، يقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ:[بِأفْعَالهِمْ]، والحقيقَةُ أن العِلم يتَعلَّقُ بالأفعالِ والأقوالِ أيضًا، فتَخْصِيصُه بالأفعالِ فيه نَظَرٌ؛ لأن الرُّؤَيةَ هي التي تَختَّصُ بالأفعالِ، أما العِلمُ فإنه أَعَمُّ، فهو يتعلَّقُ بالأفعالِ ويتعلَّقُ بالأقوالِ، ويتعلَّقُ بحديثِ النَّفْس ويتعلَّقُ بالجَهْرِ، وبكلِّ شيءٍ.
أما جواب {مَن كَانَ يَرْجُوْا لِقَاءَ اللَّهِ}، فقد قدَّره المُفَسِّر بقوله:[فَلْيَسْتَعِدَّ لَهُ]، وجعلُه محذوفًا، وعِندِي أنه لا بأسَ أن نقولَ: إن جوابَ الشَّرْطِ هو قوله: {فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ}.
ويكون المعنى: أن الذي يرجو لقاءَ اللَّهِ فإنه سيَحْصُلُ له، ولا حاجةَ أن نُقَدِّر شيئًا محذوفًا؛ لأن الأصلَ عدمُ الحَذفِ، وهذا الذي قَدَّره المُفَسِّر مثل ما قدَّرَه في قوله تعالى:{قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ}[البقرة: ٩٧]، فَقَدْ قدَّرَهَا المُفَسِّر بقولِه:[فَلْيَمُتْ غَيظًا]، لكِنْ لا حاجةَ لهذا التَّقْدِيرِ.
قوله:{مَن كَانَ يَرْجُوْا} أي: يُؤمِّل؛ لكنَّ الأملَ مبنِيٌّ على المحبَّةِ، فأنت لا تؤمِّلُ الشيءَ إلا وأنتَ تُحبُّهُ، فرجاءُ الشيءِ بمعنى الأملِ في حصولِهِ.
[من فوائد الآية الكريمة]
الفَائِدةُ الأُولَى: طَمأنَهُ أولئكَ الذين يَرجُونَ لقاءَ اللَّه بأنَّ ما رَجَوه سيَأْتِي.