الفَائِدةُ الأُولَى: جوازُ الدُّعاءِ على القَومِ إذا أَيِسَ مِنْ صَلاحِهِمْ وتَمرَّدُوا تمَرُّدًا بالِغًا، ولهذا لما قالَ:{ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ}، وتحَدُّوه قالَ:{رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ}، وأيضًا نُوح عَلَيْهِ السَّلَامُ قال:{رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا}[نوح: ٢٦]، والنَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال:"اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِني يُوسُفَ"(١)، ولكنَّ الرَّسولَ -صلى اللَّه عليه وسلم- قيَّدَ ذلِكَ؛ لأن سِنِي يوسُفَ سبعُ سنواتٍ مع أن قولَهُ:{رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ} ليس بظاهِرٍ في الدُّعاءِ عليهم، لكن لو تأَمَّلْنا الآية وجَدْنَا أنه يقْصِدُ النصرَ عليهم بما تَحَدُّوه به وهو قولُهم:{ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}، وإلا فمُجَرَّدُ قولِهِ:{رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ} لا يَدُلُّ على أنَّه دَعا علَيْهِمْ، لكن لما قالُوا لَهُ:{ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}، دَعَا اللَّهُ أن ينْصُرَهُ عليهم بأن يُظهر صِدْقَه فيما تَوعَّدهُمْ به.
الفَائِدةُ الثَّانِية: ضرورةُ الإنسان إلى ربِّهِ جَلَّ وَعَلَا مهما عَلَتْ مَنْزِلتَهُ.
الفَائِدةُ الثَّالِثة: إثباتُ ما يستَلْزِمَهُ الدعاء، ودُعاءُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يستَلْزِمُ أُمورًا، منها: إثباتُ العِلْم للَّه جَلَّ وَعَلَا؛ لأنَّ مَنْ لا يعْلَمُ لا يُدْعَى ولا يستطيعُ أن يأْتِيَ بما دُعِيَ.
وكذلك يستلزمُ الدعاءُ إثباتَ السَّمعِ للَّه جَلَّ وَعَلَا، ويستَلْزِمُ أيضًا إثباتُ القُدْرةِ لأن من لا يَقدر لا يُدْعَى، ولو أنك رأيت شخصًا زَمِنًا أو أَشَلَّ فإنه لا يُمْكِنُ أن تُطلَبَ منه أن يُساعِدَك في حَمْلِ شيءٍ مَثَلًا.
(١) أخرجه البخاري: كتاب الأدب، باب تسمية الوليد، رقم (٥٨٤٧)؛ ومسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب القنوت في جميع الصلاة إذا نزلت بالمسلمين نازلة، رقم (٦٧٥) عن أبي هريرة.