للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذا الدِّينِ، قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} هذا المنع، {وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ} [الأنفال: ٣٩]، هذا الظُّهورُ.

فالحاصلُ: أن مادة (نَصَرَ) لها ثلاثةُ استعمالاتٍ: تارَّة تتَعَدَّى بـ (من) وتارَّة تَتَعَّدَى بـ (على) وتارة تأْتِي مُطْلَقَةً، فقولُه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ} هنا تَعَدَّتْ بـ (على) فيكونُ معنَاها الظُّهُورُ والغَلَبَةُ، ولهذا قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{رَبِّ انْصُرْنِي} بتَحْقِيقِ قَولِي فِي إنْزالِ العَذَابِ {عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ}].

وقوله: {رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ} ذَكَرَ حالَ المَدْعُوِّ عليهم من باب التَّوَسُّلِ؛ لأن كلَّ وصْفٍ يسْتَوْجب الإجابة فإنه يُعتَبَرُ وسيلَةً، وقد ذَكَرْنا فيما سبَقَ أن التَّوَسُّلَ إلى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أنواعٌ، منها التَّوَسُّلُ بذِكْرِ حالِ الدَّاعِي كما في قوله تعالى: {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص: ٢٤]، وهنا التَّوَسُّلُ بحالِ المَدْعُوِّ عليهم.

وقولُهُ: {رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ} لأن إفْسادَهُم يقْتَضِي إهلاكَهُمْ وذُلَّهم والغَلَبَة والظُّهورَ عليهم.

وقَال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{الْمُفْسِدِينَ} أَيْ: العَاصِينَ بإِتْيانِ الرِّجالِ، فاستَجَابَ دُعاءَهُ]: وهذا تَفْسِيرٌ للشَّيْءِ بسَبَبهِ؛ لأن المعصِيَةَ سببُ الفسادِ، قال اللَّه تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [الروم: ٤١]، ولا شكَّ أن فِعْلَ قومِ لُوطٍ مِنْ أعظمِ الفَسادِ في الأرْضِ.

<<  <   >  >>