لا ينتَفِعُ بطاعَتِهِم ولا يتَضَرَّرُ بمَعْصِيَتِهِمْ، ومعْنَى غِنَاهُ عنهم: كونُهُ لا يحتاجُ إليهم لما عِندَهُ مِنَ الجُودِ والسَّعَةِ والتَّدبيرِ للأمورِ، فهو لا يحتَاجُ إلى العالمِينَ كُلِّهِمْ.
وقولُه رَحِمَهُ اللَّهُ: [{إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} الإِنْسِ والجِنِّ والملائِكَةِ وعَنْ عِبَادَتِهِمْ]: فهو غَنِيٌّ عنهم لا يحتاجُ إليهِمْ، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} [الذاريات: ٥٦ - ٥٧]، وكذلك غَنِيٌّ عن عِبَادَتِهِمْ، لأن عِبَادَتِهِمْ إنما تكونُ منْفَعَتُهَا لهُم، أما اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فإنه لا يَنْتَفِعُ طاعَةِ الطَّائِعِينَ، ولا يَتَضَرَّر بمعصيةِ العاصِينَ، وقولُه:{إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ}: الجُملَةُ هنا مُؤكَدةٌ بمُؤَكِّدَينِ وهما: (إنَّ) و (اللام).
[من فوائد الآية الكريمة]
الفَائِدةُ الأُولَى: أن الإنسانَ لا بُدَّ أن يحْصلُ له مَشقَّةٌ في القيامِ بما يجِبُ عليه؛ لأن الجهادَ معناه: بَذلُ الجهدِ لإدرَاكِ أمرٍ شاقٍّ، لقوله:{وَمَنْ جَاهَدَ}.
الفَائِدةُ الثَّانِية: أن من جاهَدَ في العَملِ الصالِحِ فإن جهادَهُ لنفْسه لا ينْتفِعُ اللَّهُ به، لقوله:{وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ}.