الحُجَّةُ الرابِعَةُ: دعاؤُهُم اللَّه جَلَّ وَعَلَا في حالِ الشِّدَّةِ.
والحُجَّةُ الخامِسَةُ: إخلاصُهُم الدُّعاءَ في حالِ الشِّدَّةِ للَّه جَلَّ وَعَلَا.
قوله عَزَّ وَجَلَّ:{فَلَمَّا} شَرْطِيَّةٌ، وفِعْلُ الشَّرطِ:{نَجَّاهُمْ} وجوابُهُ: {إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ}، و {إِذَا} يُسَمِّيهَا النَّحْويونَ فُجَائية، والفُجَاءَةُ الشيءُ الذي يَأْتِي بَغْتَةً، والمعنى أنهم إذا نُجُّوا إلى البَرِّ فاجَؤوا وبادَرُوا بالشركِ -أعوذ باللَّه- جزاءَ النِّعْمَةِ أن يكفروا.
والمعنى: فلما نَجَّاهُمْ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وأنْقَذَهُم مِنَ الشِّدَّةِ التي هم فيها إلى البَرِّ الذي هو شاطئُ السلامةِ {إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ}.
وقوله عَزَّ وَجَلَّ:{إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} جملةٌ اسميَّةٌ تُفِيدُ الثُّبوتَ، أي أن الشِّرْكَ صارَ كالصِّفَةِ اللازمة لهم، فهم مُسْتَمِرُّونَ على الشركِ مُبادِرُونَ به، وهذا غَايَةُ ما يكون من اللُّؤمِ؛ لأن الإنسانَ بطَبِيعَتِهِ وفِطْرتِهِ لا يَكْفُرُ بمن أنْعَمَ عليه، بل يَشْكُرُ مَنْ أنعَمَ عليه، أما هؤلاء فإنهم بمُجَرَّدِ حصولِ نِعمةِ النَّجاةِ يُشْرِكُونَ.
[من فوائد الآية الكريمة]
الفَائِدةُ الأُولَى: بيانُ أن المشرِكينَ يُخْلِصُونَ في حالِ الشِّدَّةِ ويُشْرِكُونَ في الرخاءِ، لقولِهِ:{فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ}.
الفَائِدةُ الثَّانِية: اعترافُ المشرِكِينَ ضِمْنًا بأن آلهتَهم لا تَنْفَعُهم؛ لأنهم لو كانوا يعْتَقِدُونَ نَفْعَها لدَعَوْهَا في هذه الحال، لكن هم يَعْرِفُون بأنها لا تنْفَعُهُمْ.