للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أعطاهم مِنَ العُقولِ والبَصائرِ ما يُمَكِّنُهم الاهتداءَ بِه، وقد ذَكَر اللَّه ذلك في قومِ صالحٍ فقالَ: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} [فصلت: ١٧]، كان عندهم بصَائرُ وعندَهُم عِلم لكِنَّهُم كانوا مسْتكْبِرينَ -والعياذ باللَّه-، فهم يَصُدُّونَ عن سبيلِ اللَّهِ مع أن اللَّه أعْطاهُم مَا يتَمَكَّنُونَ به من مُدافَعَةِ الشيطانِ، ولكن غُلِبُوا على أمْرهِمْ بما زيَّن لهم الشيطانُ.

[من فوائد الآية الكريمة]

الفَائِدةُ الأُولَى: ينْبَغِي الاعتبارُ بأحوالِ مَنْ مَضَى، لقولِهِ: {وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ} يعني: فاعْتَبِرُوا واتَّعِظُوا.

الفَائِدةُ الثَّانِية: بيانُ قُدْرَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ لأن عَادًا مِنْ أقْوى عِبادِ اللَّهِ حتَّى إنهم قَالُوا: {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} [فصلت: ١٥]، ومع ذلك أهْلَكَهُم اللَّهُ بالرِّيحِ التي هي مِنْ ألطفِ الأشياءِ، فدَلَّ هذا على كَمالِ قُدرة اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأنهم مَهْمَا بلَغَ الناسُ مِنَ القُوَّةِ فليست قوَّتُهُم بشيءٍ بالنِّسْبَةِ إلى قوَّةِ اللَّهِ.

الفَائِدةُ الثَّالِثةُ: أن الشيطان قد يُسَلَّطُ على بَنِي آدَمَ، لقولِه عَزَّ وَجَلَّ: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ}.

الفَائِدةُ الرَّابِعةُ: التَّحْذِيرُ من تَزْيْين الأعمالِ، ويُفْهَمُ من قوله تعالى: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ} أن هذِه الأعمالَ أصلُهَا قَبيحٌ لكنَّها زُّينَتْ، فيَجِبُ الحذَرُ من تَزْيِينِ الشيطانِ.

لو قال قائل: ما هو الضابطُ في تَزْيِينِ الشَّيطانِ، قد أهْوى هذا العملَ ويُزَيَّنُ في نَفْسي فأفعلُه ولا أدْري هل هو من تَزْيين الشيطانِ أو من هِدايةِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ؟

<<  <   >  >>