قوله:{يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا} في هذه الآيةِ إشارَةٌ إلى أن مُقْتَضَى العبودِيَّةِ والإيمانِ أن يقومَ الإنسانُ بحَقِيقَةِ ما تَقْتَضِيهِ هذه العُبودِيَّةُ؛ بحيث لا يَرَى لنفْسِهِ حقًّا بجانِبِ حقِّ اللَّه، بمَعْنَى ألا يُقَدِّمَ حظوظَ نَفْسِه على حُقوقِ رَبِّهِ، وليس المعنى ألا يقومَ بالأمْرَيْنِ؛ فإن الإنسانَ مأمورٌ بأن يقومٍ بالأمْرَيْنِ، كما قال النبي عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لعبدِ اللَّهِ بن عَمرٍو:"إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا"(١).
وإضافَةُ العُبودِيَّةُ إلى اللَّه هنا فيها من التَّشْرِيفِ والتَّكريمِ ما هو ظِاهِرٌ؛ لأن كون اللَّه يُنادِيهِمْ فيقول:{يَاعِبَادِيَ} ويضِيفُ ذلك إلى نَفْسِهِ، هذا له معنًى عَظِيمٌ.
وقوله:{يَاعِبَادِيَ} اعلم أن العِبادَةَ تَنْقَسِمُ إلى قِسْمَيْنِ: عبادِةٍ كَوْنِيَّةٍ، وعبادة شَرْعِيَّةٍ.
فالعبادةُ الكوْنِيَّةُ: هي الخُضُوعُ لحُكمِ اللَّه الكَوْنِيِّ، وهذه ثابِتَةٌ في حقِّ جميعِ الخلقِ المؤمِنِ والكافِرِ والبَرِّ والفَاجِرِ.
(١) أخرجه البخاري: كتاب الصوم، باب من أقسم على أخيه ليفطر في التطوع. . .، رقم (١٨٦٧) عن أبي جحيفة.