للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والعبادةُ الشرعِيَّةُ: هي الخضوعُ للحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، وهذه خاصة بمَنْ أطاعَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ؛ لأنه خضعَ لحُكْمِ اللَّهِ الشرعيِّ أَمْرًا ونَهْيًا.

واخترت أن أعبر بِقَوْلهِمْ: (حُكم) دون قولهِمْ (أمر) لأجلِ أن يَشْمَلَ الأمرَ والنَّهْي، فإن العبادةَ هي القيامُ بطاعَةِ اللَّهِ امتثالًا لأمْرِهِ واجتِنَابًا لنَهْيهِ.

ومن أمثلَةِ العُبودِيَّةِ العامَّةِ قوله تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} فتُوُبوا إلى اللَّهِ، ولهذا قالَ: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا}، وأيضًا: قوله تعالى لإبليسَ: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر: ٤٢]، إذا قُلْنَا: الاستِثْنَاءُ متَّصِلٌ، فالعُبودِيَّةُ عامَّةٌ.

ومثالُ العُبودِيَّةِ الخاصَّةِ قوله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان: ٦٣]، هذه عُبودِيَّةٌ خاصَّةٌ.

وقوله عَزَّ وَجَلَّ: {يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا} (الذين) محِلُّهَا مِنَ الإعراب النَّصْبُ؛ لأن (عِبَادِيَ) منادَى منصوبٌ بسببِ الإضَافَةِ.

وقوله عَزَّ وَجَلَّ: {آمَنُوا} سبَقَ مرارًا أن الإيمان هو التصديقُ المسْتَلْزِمُ للقبُولِ والإذعانِ، وليس مجرَّدَ التَّصْدِيقِ كما قال أهلُ الإرْجاءِ.

قوله عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ} هذا هو محطُّ النِّدَاءِ، المنَادَى {يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا} والمنادَى بِه قولُه: {أَرْضِي وَاسِعَةٌ}.

وقوله: {أَرْضِي} الإضافةُ هنا هل هي من بابِ إضافَةِ المملوكِ إلى مالِكِهِ، فتكونُ من بابِ إضافَةِ الخلْقِ والتكوينِ فيكونُ المعْنَى: هاجِروا إلى بلادِ كُفْرٍ أو إسلامٍ، أو أنها من بابِ إضافَةِ الاختصاصِ، يعني الأرضَ التي هي مَحِلُّ عِبَادَتِي،

<<  <   >  >>