قوله:{وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا}، أي: أبْقَيْنَا مِنْها، فالتَّرْكُ هنا بمعنى الإبقاءِ، وهو ظاهرٌ في اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ، تقول: أخذت كذا وتركتُ كذا، أي: أَبْقَيْتُ.
قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً} يعني: أبْقَيْنا من هذه القَضِيَّةِ آيةً بَيِّنَةً، {آيَةً} بمعْنَى عَلامَةٍ، و {بَيِّنَةً} بمعنى ظاهِرَة وواضِحَة، قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ:[ظَاهِرَةٌ، هِي آثَارُ خَرابِهَا].
وفي سورةِ الصَّافاتِ قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (١٣٧) وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [الصافات: ١٣٧ - ١٣٨]، فكان العربُ يَمُرُّونَ على هَذِه القُرى ذَاهِبِينَ وعائدينَ إلى الشَّامِ، فيرونَ مِنْ آثارِ العَذابِ ما هو ظِاهِرٌ لكنهم لا يسْتَفْسِرُونَ، ولهذا قال [{لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} يتدبرون].
قوله:{لِقَوْمٍ} متَعَلِّقَةٌ بـ {تَرَكْنَا}، ويجوز أن تكونَ متَعَلِّقَةً بـ {بَيِّنَةً}، فيجوزُ أن يكون المعنى: بيِّنَةً للعَاقلينَ، ويجوزُ أن يكون المعنى تَرْكَنَاهَا للعاقِلِينَ.