نحنُ نُخبرُ الناسَ لأجلِ أن يتَهَيَّئوا ويتَرَقَّبوا لذلك، حتى يأتيَ الكُسوفُ وهم مستعدون له، كأنه هلالُ عيد يَخْرُج حتى يخْرُجوا إلى المصَلَّى، وهذا غَلَطٌ.
وأنا أَذْكُرُ، والمتقدِّمُ في السِّنِّ يَذْكُرُ أن الناس كانوا إذا جاءَ الكسوفُ يحصلُ عندهُم مِنَ الخوفِ والانزعاجِ والفَزعِ كما أمرَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ به، الفَزَعُ إلى المسجدِ والبكاءِ، أما الآن -فنسأل اللَّه العافية- تَرَى بعضَ الناس يشاهدُ الكُسوفَ، وعنده آلاتُ لهو تُغَنِّي وما أشبه ذلك؛ المهِمُّ أن هذه الآيات لا ينْتَفِعُ بها إلا المؤمِنُ.
[من فوائد الآية الكريمة]
الفَائِدةُ الأُولَى: بيانُ طُغيانِ قومِ إبراهيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، حيث إنه يَدُلَّهُم على الحقِّ ولكون هذا جوابُهُمْ.
الفَائِدةُ الثَّانِية: اختلافُ قومِ إبراهيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فيما يَصْنَعونَ به ثم قرَّروا إحراقَهُ، وذلك بناء على الجَمعِ بين هذه الآية وبينَ آيةِ الأنبياء، قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ}.
الفَائِدةُ الثَّالِثة: تمامُ قُدْرَةِ اللَّهِ، حيث كانت هذه النَّارُ المحرقِةُ برْدًا وسلامًا على إبراهيم؛ لأن هذا مِن آياتِ اللَّه الدَّالَّةِ على قُدرَتهِ.
الفَائِدةُ الرَّابِعة: أن كلَّ مَن قامَ للَّه فإنَّ اللَّه يُنَجِّيهِ بمَفَازَتهِ، يعني: يُنْجِيهِ في موضعِ هَلاكِهِ، قال تعالى:{وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ}.
الفَائِدةُ الخامِسَةُ: أن اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُقَدِّرُ مِنَ الأمورِ لإنْجاءِ أوليائهِ ما لا يخْطُرُ بالبالِ، وإلا فمَن يخطُرُ ببالِهِ أن هذه النارَ العَظيمةَ تكون بَرْدًا وسَلامًا؟ ولكنَّ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُقَدِّرُ لأوليائِهِ مِن أسبابِ النَّجاةِ ما لا يخْطُرُ لهم على بالٍ.