الفَائِدةُ السَّادسَةُ: أن الجماداتِ تَعْرِفُ رَبَّها فتَمْتثِلُ لأمرِهِ؛ لأن اللَّه جَلَّ وَعَلَا قالَ لهذه النَّارِ:{كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا}.
الفَائِدةُ السَّابِعة: أن الأسبابَ لا تَفْعَلُ فِعلَها إلا بإرادَةِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، فالأسبابُ مهما قَوِيَتْ لا تَفعلُ الفِعلَ إلا بإذنِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، فمعنى أن اللَّهَ تعالى قد يمْنَعُ تأْثِيرَها، فالنارُ سببٌ للإحْراقِ بلا شَكٍّ، وهنا سُلِبتْ هذه السَّبَبيةَ ولم تؤثِّر.
الفَائِدةُ الثَّامِنة: أن الآيات لا ينْتَفِعُ بها إلا المؤمنونَ، لقولِهِ:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}، وقوله هذا لا ينَافي ما جاءَ في عِدَّةِ آياتٍ كقولِه تعالى:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}، وكقولِه تعالى:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُتَفَكَّرُونَ} وما أشبَه ذلك؛ لأن العَقلَ والتَّفَكُّرَ ونحوهما من مقْتَضَياتِ الإيمانِ، فكلَّما كانَ الإنسانُ أقْوَى إيمانًا كانَ أكثرَ عَقلًا وتفَكُّرًا، والتفكُّرُ أيضًا يدْعُو إلى الإيمانِ، فهُمَا متَلازِمَانِ.
لو قالَ قائلٌ: هل ثبتَ أن أحدَ الصَّحابة نَجَا مِنَ النَّارِ بعدَ إلقائه فيها وكانت آيةً كإبراهيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ؟
فالجواب: نعم ثبت ذلك، ذكره ابن كثير رَحِمَهُ اللَّهُ في البداية والنهاية (١)، وقال: إنه ما مِنْ آيةٍ لنبيٍّ سابِقٍ إلا كانت آيةً للنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أو أعظمَ، لكن منها ما جَرى للرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نفْسِهِ، ومنها ما جَرَى لأمَّته، وما جَرى لأُمَّتِه فإنه من آياتِهِ لأنه يشهدُ بصِحَّةِ الطريقةِ التي هُم عليها، فيكونُ ذلك مِنْ آياتِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.