للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حَمَل هذه القُرَى، ثم قَلَبَها، فكيف الجَمْعُ؟

الجواب: إن صَحَّ عنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أن جبريل حَمَل هذه القُرَى وقَلَبها فلا كلامَ لأَحَدٍ، وإن لم يَصِحَّ فإننا لا نَقُولُ بِهِ (١)؛ لأن هذا خلافُ ظاهِرِ الآياتِ، وأما قوله تعالى: {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى} [النجم: ٥٣]، وهي قُرى قَومِ لُوطٍ التي صَنَعَتِ الإفكَ والكَذِبَ؛ فلا دَلالَة فيها على مَا سَبَقَ.

[من فوائد الآية الكريمة]

الفَائِدةُ الأُولَى: إثباتُ العُلُوِّ للَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لقولِهِ: {إِنَّا مُنْزِلُونَ}.

الفَائِدةُ الثَّانِيةُ: شِدَّةُ العذابِ إذا كانَ آتِيًا من فَوقَ، لقولِهِ: {مُنْزِلُونَ}؛ لأن كونَ العَذابِ يأتِي مِنْ أعْلى فهُو أشَدُّ وأبْلَغُ؛ لأن العذابَ في هذه الحالِ يكونُ عالِيًا ومُحِيطًا.

الفَائِدةُ الثَّالِثةُ: إثباتُ الأسبابِ؛ لقولِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {بِمَا كاَنُوا يَفسُقُونَ}، فإن الباء للسَّبَبِيَّةِ.

الفَائِدةُ الرَّابِعةُ: أن الفِسْقَ سببٌ للعُقوباتِ، ولهذا جَعَلَ اللَّه المعَاصِي مِنَ الفسادِ في الأرضِ؛ لقولِهِ: {بِمَا كاَنُوا يَفسُقُونَ}.

الفَائِدةُ الخامِسَةُ: الردُّ على الأشْاعِرَةِ والجَهمِيَّةِ والجَبرَّيةِ، والجبريةُ هم الجهْمِيَّةُ؛


(١) أخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا} قال: لما أصبحوا عدا جبريل على قريتهم فقلعها من أركانها ثم أدخل جناحه، ثم حملها على خوافي جناحه بما فيها، ثم صعد بها إلى السماء حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم ثم قلبها، فكان أول ما سقط منها سرادقها، فلم يصب قومًا ما أصابهم، ثم إن اللَّه طمس على أعينهم، ثم قلبت قريتهم وأمطر عليهم حجارة من سجيل. انظر: فتح القدير (٢/ ٧٤٥)، وتفسير الطبري (٧/ ٩١)، وتفسير ابن كثير (٢/ ٥٩٧).

<<  <   >  >>