قوله:{كَفَى بِاللَّهِ} يقولُ المعْرِبُونَ: إن (الباء) زائِدَةٌ، وإن {شَهِيدًا} هنا ليست مَصْدَرًا ولا اسمًا جامِدًا، بل هي مشْتَقَّةٌ فتَصْلُحُ أن تكونَ حَالًا من الاسمِ الكَريمِ، وتصْلُحُ أن تكونَ تَمْييزًا كقولهم:(للَّه دَرُّهُ فَارِسًا)، أي: كفى شهادة اللَّه بَيْنِي وبَيْنكم.
قوله:{كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا} ضَمن الشهادة هنا معنى الحُكْمِ، فالشهادَةُ تُطْلَقُ بمعنى الحُكم، كما في قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٢٦) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [يوسف: ٢٦ - ٢٧]، فإن قوله:{وَشَهِدَ شَاهِدٌ} بمَعْنَى: حَكَم حاكِمٌ، والحاكمُ في الحقيقة شاهدٌ، وذلك من وجهين:
أوَّلًا: لأنه شاهِدٌ بحُكْمِ اللَّه لأنه حَاكِمٌ به، فهو إذا حَكَمُ يقول بلِسَانِ الحال: أشهدُ بأن حُكْمَ اللَّه كذا وكذا، وهو شاهِدٌ على المحق بالحقِّ وعلى المبْطِلِ بالباطِلِ،