قوله تعالى:{وَإِبْرَاهِيمَ} مفعولٌ لفِعلٍ محذُوفٍ تَقديرُهُ (اذْكُرْ)، والفَائِدةُ من حذْفِ العامِلُ هو الاختصارُ وبيانُ الاهتمامِ بالمعمولِ، فهُنا حُذِفَت (اذكر) اختصارًا واهتمامًا بالمعمولِ وهو (إبراهيمُ) ليبْدَأ به أوَّلًا.
وإبراهيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كلنا يَعْرفُ أنه ثاني أُولِي العَزمِ من الرسلِ الَّذين أولهُم محمَّدٌ -صلى اللَّه عليه وسلم-، واختَلفُوا أيهما أفْضلُ -أعني نوحًا وعِيسى- والأَوْلى أن يُقالَ: لكلٍّ منهما مَزِيَّة، أما الثلاثةُ محمَّدٌ ثم إبراهيمُ ثم مُوسى، فإذا متَّفَقٌ عليه، أي: على التَّرتِيبِ.
وقد ابتَلاهُ اللَّه تعالى بأمَرْين:
أحدهما: في الدَّعوةِ إلى اللَّهِ.
والثاني: في أعزِّ محبوبٍ إليه.
أما في الدَّعوةِ إلى اللَّهِ فإن اللَّه ابتَلاهُ بأن سلَّط عليه قومَه ليَحْرقُوهَ، والنتيجةُ أن اللَّه أنْجاهُ مِنَ الموتِ، وقال للنَّارِ:{كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ}[الأنبياء: ٦٩].
أما الأمرُ الثَّانِي: فهو في أعزِّ الأشياءِ إليه، وهو ابنه حين بلَغَ السَّعْي، وهو وَحيدُهُ وأوَّلُ أولادِه، وهو إسماعيلُ على القولِ الصَّحِيحِ، ابتلاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بأنْ أَمرَ بذَبْحِهِ، بل أمْرُهُ بأن يَذْبَحَه هو، فاستَسْلَمَ لهذا الأمرِ وامتَثَلَ، والقِصَّةُ معروفةٌ،