للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأنْجاهُ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى منه حينَ قالَ له: {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ (١٠٤) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٠٥) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ} [الصافات: ١٠٤ - ١٠٦]، إلى آخرِ الآياتِ، وسُمِّي خَلِيلًا واتَّخَذَهُ اللَّه خَلِيلًا بسببِ هذا الأمْرِ، حيثُ قدَّمَ محبَّةَ اللَّه تعالى على أحبِّ شيءٍ إليه، وبعضُ النَّاسِ الجهالِ -في الواقع- يَصفُونَ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بأنه حبيبُ اللَّه وأن إبراهيمَ خليلُ اللَّه، وهذا خطأ، فإن مُحَمَّدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- خليلُ اللَّهِ أيضًا، كما ثَبَتَ ذلك عَنْهُ (١)، والذي يقولُ: إن مُحَمَّدًا حبيبٌ وإبراهيمُ خليلٌ قد تَنَقَّصَ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لأن دَرجَةَ المحبَّةِ أدْنَى مِنْ درجةِ الخُلَّةِ.

وقوله: {إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ} (إذ): ظرف في موضعِ نَصْبٍ على الحالِ، أي: حالَ كونِهِ قائلًا لقومِهِ، والقومُ هُم الجماعَةِ الذين يَنتسِبُ إليهم الإنسان بنَسَبٍ أو هَدَفٍ، كل من ينْتَسِبُ إليه الإنسان بنَسبٍ أو هدفٍ فهم قومُهُ: وذلك بأن تكونَ دَعواهم واحدةٌ وطَرِيقهم واحدِةٌ، والمراد بقومه هنا: مَن ينْتَسِبُ إليهم بقرابَةٍ.

قَال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ}: خَافُوا عِقابَهُ]: {اعْبُدُوا اللَّهَ} أصلُ العِبادَةِ مأخوذٌ مِنَ الذُّلِّ، ومنه قولهم: طريقٌ مُعَبَّدٌ، أي: مُذَلَّلٌ؛ لأن العبدَ يَذِلُّ لمَعبُودِهِ، فالعبادةُ إذن: التَّذَلُّل للَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بفعلِ أوامِرِهِ واجتنابِ نَواهِيهِ، وقد حدَّها شيخُ الإِسلامِ ابنُ تَيمية رَحِمَهُ اللَّهُ بأنها: "اسمٌ جامعٌ لكُلَّ ما يحبُّهُ اللَّهُ ويرْضاهُ مِنَ الأقوالِ والأعْمالِ الظَّاهِرَةِ والباطِنَةِ" (٢)، وهذا حد لها في الواقع باعتبارِ مَيدَان العبادةِ، أما أصْلُهَا فإنها من الذُلِّ؛ لأن مقتضاهَا في اللُّغَةِ أن يتَذَلَّل الإنسانُ للَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بطاعَتِهِ، فِعْلًا للأوامِرِ وتَركًا للنَّواهِي.


(١) أخرجه مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور. . .، رقم (٥٣٢).
(٢) مجموع الفتاوى (١٠/ ١٤٩).

<<  <   >  >>