للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالقَلبُ إلى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لا إلى غَيْرِهِ، وهذا عامٌّ لكُلِّ أحدٍ مهما كان، فالناسُ مرْجِعُهُمْ إلى اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مهما فرُّوا، فالقَلْبُ يَعني الرَّدَّ إلى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وإذا كان مَرَدُّنَا إلى اللَّه صارَ هو الحَكَمُ بيننا، وحُكْمُ اللَّه في العبادِ يَشْملُ الحكْمَ فيما بينَهُ وبينَهُمْ، والحكمُ فيما يختلفون فيه، فالمؤمنون مع الكفَّارِ مختَلِفُونَ، فيَحْكُمُ اللَّه بينهم يومَ القِيامَة، وكذلك المعتَدُونَ مع المعْتَدَى عليهم مختَلِفونَ، فيَحُكُم اللَّه بينهم يومَ القِيامَةِ.

[من فوائد الآية الكريمة]

الفَائِدةُ الأُولَى: إثباتُ الأفعالِ الاختِيَاريَّةِ للَّه عَزَّ وَجَلَّ لقوله تعالى: {يُعَذِّبُ}، {وَيَرْحَمُ}، وهذا هو مَذهبُ أهلِ السُّنَّةِ والجماعة مِنَ السَّلَفِ والأئِمَّةِ، أن اللَّه يفعلُ ما يشاءُ، وخالفَ في ذلك الأشاعِرَةُ وغيرهم، فقالوا: إن اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لا يتَعَلَّقُ به فِعْلٌ حادِثٌ، وعلَّلُوا ذلك بأنه لا يقومُ الحادث إلا بحادِث، وأننا لو أثْبَتْنَا حدوثَ الأفعالِ للَّه لَزِمَ من ذلك أن يكونَ اللَّه تعالى حادِثًا.

ولا ريب أن هذا قولٌ باطِلٌ؛ لأننا نقول لهم: من قال لكم: إن الحادِثَ لا يقومُ إلا بحادِثٍ، من أين جاءت هذه القاعدةُ، هل هي في القُرآن، هل هي في السُّنَّةِ، هل هي في العَقْلِ؟

ثم إننا نقابلُ هذه القاعدةَ الفاسِدَةَ بقاعِدةٍ أكملَ منها وأوضحَ، وهي: أن الفَعَّال لما يُريدُ أكملُ من الذي لا يَفْعَلُ، فأنتم إذا عطَّلْتُم اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عن أفعالِهِ الاخْتِيارَّيةِ فمعنى ذلك أنكم وصَفْتُموهُ بأنْقَصَ ما يكون، وهذا أمرٌ معلومٌ لجميعِ العُقلاءِ: أن الفاعل لما يُريدُ أكملُ من الذي لا يفْعَلُ، وأكملُ من الذي يجْبَرُ على الفعلِ أيضًا.

الفَائِدةُ الثَّانِية: إثباتُ المشيئةِ للَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لقوله: {مَنْ يَشَاءُ} في الموضِعين.

<<  <   >  >>