للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

صِفَة من صِفاتِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ثابِتَةٌ على وجهِ الحَقيقَةِ، ومنْ آثارِهَا الإنعامُ والإحسانُ أو إرادةُ الإنعامِ والإحسانِ، وليست هي الإنْعامُ والإحسانُ والإرادةُ، خِلافًا لمن قال بذلك مِنَ الأشاعِرَةِ ومَنْ ورَاءهم من المعطِّلَةِ المحْضَةِ الذين هم أشدُّ وأشدُّ، فهم يقولون: إن الرحمة معناها إرَادَةُ الإنعامِ، وبعضهم يقول: هي الإنعامُ، والصوابُ خِلافُ قولهم؛ لأن الإرادة ناشئةٌ عن الرَّحْمَةِ، يرحم فيريدُ أن يحْسِنَ أو يُنْعِمَ، وهذا الذي عليه مذهبُ أهلِ السُّنَّةِ والجماعة، أن الرحمةَ صِفَةٌ ثابِتَةٌ للَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على وجهِ الحقِيقَةِ.

وقال الذين احتجَّوُا بمنع أن تكونَ الرَّحمةُ حقيقةً: إن الرحمة خَوَرٌ وضعْفٌ في الراحمِ، فتجدُ نفسه تَنْكسِرُ حتى تَرحَمَ.

وجوابنا على هذا من وجهين:

أحدهما: أن نَمْنَعَ أن يكون هذا من باب الخَوْرِ والضَّعف، فإننا نَجِدُ الملوك الجبَابرةَ قد يَرْحمون، ومع أنهم ليس فيهم خَوْر ولا ضَعْف.

وثانيًا: لو فُرِضَ أن هذا المعنى لازمٌ للرَّحْمَةِ في الإنسان فليس بلازم بالنسبة للَّه، كغَيْرِهِ مِنَ الصِّفَاتِ التي تَثْبُتُ حقيقةً للمَخْلُوقِ وتَثْبُتُ للخالِق أيضًا، فإن اللَوازِمَ والعوارِضَ التي تكون لصِفَةِ المخلُوقِ لا يمكن أن تكونَ لصِفَةِ الخالِقِ، لما بينهما مِنَ الفَرقِ العَظيمِ في الذَّاتِ والصِّفاتِ، وكما أن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لا شَبِيهَ ولا مَثيلَ له في ذاته، فكذلك لا شَبِيهَ له ولا مَثِيلَ له في صفِاتِهِ.

قولُهُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [{يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} تَعْذِيبَهُ، {وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ} رَحْمَتَهُ، {وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ} تُرَدَّون]: يعني: تُقْلَبُونَ إليه لا إلى غَيرهِ، فتَقْديمُ المعمولِ يُفِيدُ الحصْرَ،

<<  <   >  >>