للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لا بُدَّ أن يكون قد أَتَى ما يستَوْجِبُ التَّعذِيبَ، وحينئذٍ تكون الحِكمَةُ في تَعْذيبِهِ، ولا يُعذِّبُ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى من شاءَ بدونِ ذَنبٍ أبدًا لأن حِكمَتَهُ ورَحمتَهُ تأبَى ذلك، خِلافًا لمن قال (١).

وَجَازَ لِلْمَوْلَى يُعَذِّبُ الْوَرَى ... مِنْ غَيْرِ مَا ذَنْبٍ وَلَا جُرْمٍ جَرَى

ثم عَلَّلَ ذلك بقَولِهِ:

فَكُلُّ مَا مِنْهُ تَعَالَى يَجْمُلُ ... لِأَنَّهُ عِنْ فِعْلِهِ لَا يُسْألُ

فهذا ليس بِصَحيحٍ، وهو وإن جازَ عَقلًا لكنه مُمتَنِعٌ شَرعًا؛ لأن اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يقول في الحديث القدسي: "يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْته بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا" (٢)، وقال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في القرآن: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا} [طه: ١١٢].

فقوله عَزَّ وَجَلَّ: {يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} قلنا: إنه مَقُرونٌ بالحِكمَةِ، فلا يُعَذِّبُ إلا من يستَحِقُّ التَّعذِيبَ.

قوله: {وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ} الرَّحْمَةُ صفَةٌ من صفاتِ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وهي تقْتَضِي الإنعامَ والإحسانَ، سواءٌ كان الإحسانُ بإيجادِ محبوبٍ أو بِدفعِ مكْرُوهٍ، فإن رَحمةَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ تكونُ للإنسان إما بجَلْبِ ما ينْفعُه وإما بدفع ما يَضُرُّه.

وقوله: {وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ} (يرحم) فعل مضَارعٌ مشتَقٌّ مِنَ الرَّحمةِ، والرحمةُ


(١) هو السَّفارِيني في الدُّرة المضية في عقد أهل الفرقة المرضية، البيتان (٦٥، ٦٦)؛ وانظر شرح العقيدة السفارينية لفضيلة الشيخ الشارح رَحِمَهُ اللَّهُ (ص: ٣٣٨، وما بعدها).
(٢) أخرجه مسلم: كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، رقم (٢٥٧٧).

<<  <   >  >>