للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مِنْ إظهارِ الإسلامِ بها فأُمِرُوا أن يُهاجِرُوا إلى بلادٍ يَسْتَطِيعُونَ أنُ يُقِيمُوا فيها دِينَهُم، فهاجَرَ جماعَةٌ مِنْهُمْ إلى الحَبشَةِ، ثم قِيلَ: مِنْ مُشْرِكِي قُريشٍ أسْلَمُوا، فرَجعوا، ولكن كفَّارَ قُريش ازْدَادُوا في اضطهَادِهِمْ -والعياذ باللَّه-، فرَجَعُوا مرةً ثانِيَةُ إلى الحبَشَةِ، ثم بعدَ ذلك أُذِنَ للنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أن يهاجِرَ هو وأصحَابُه إلى المدينَةِ فهاجَرُوا، فكانَ أوَّلَ بلدٍ إسلامَيٍّ تُقامُ فيها حكومةٌ إسلامِيَّةٌ هو المدينة، وتحقَقَّ ذلك بالهِجْرَةِ.

وقَال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [كانُوا فِي ضِيقٍ مِنْ إظْهَارِ الإسلامِ بِهَا]، الضيقُ الذي حصَلَ مِنَ الكفَّارِ متَنَوِّعٌ بالقَوْلِ وبالفِعْلِ، وربما أدَّى إلى القَتْلِ، فكانوا يُعَذِّبُونهُمْ في شِدَّةِ الحرِّ في الرَّمضاءِ ويَضَعُونَ الأحجارَ الحامِيَةَ على بطونِهِمْ، ولكن ذلك لا يُثْنِيهِمْ عن دِينِهِمْ أبدًا؛ لأنهم مؤمِنُونَ حقًّا ويَرَوْن أنَّ الدنيا هذه ليست بشيءٍ، مِثْلَما قال السَّحرَةُ الذين آمنوا بمُوسَى، قالوا: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [طه: ٧٢].

وهذا هو الإيمانُ الحقِيقِيُّ أن الإنسان يَفْدِي دِينَهُ بنَفْسِه ومالِهِ، وأما الإيمانُ الهشُّ الذي إذَا أُوذِي صَاحِبُه في اللَّهِ جعلَ فِتْنَةَ الناسِ كعَذابِ اللَّهِ، فرجع عَمَّا كانَ عليه، هذا في الحقيقةِ إيمانٌ ناقِصٌ غايةَ النُّقْصَانِ، ومن حِكْمَةِ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يَبْتِليَ الإنسانَ بالفِتَنِ في دِينِهِ لأجلِ أن يَتَبَيَّنَ صِدْقُ إيمانِه من ضَعْفِهِ كما تُفِيدُ هذه الآية، ولهذا قال بَعْدَهَا: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}.

[من فوائد الآية الكريمة]

الفَائِدةُ الأُولَى: أنَّ المؤمِنَ عبدُ اللَّهِ، والمرادُ هنا العُبُودِيَّةُ الخاصَّةُ، لقوله عَزَّ وَجَلَّ: {يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا}.

الفَائِدةُ الثَّانِية: شَرَفُ الإيمانِ باللَّه عَزَّ وَجَلَّ حيثُ جَعَلَ اللَّه تعالى هؤلاء المؤمنين

<<  <   >  >>