قوله تعالى:{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} هذه قَضِيَّةٌ عامَّة (١)؛ لأن جميعَ المخلوقات داخِلُونَ تحتَ عُمومِ:{كُلُّ} إلا ما دلَّ الدَّلِيلُ على استِثْنَائِهِ.
قوله:{ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} أي: مَيِّتَة، لكن عَبَّر عن حقيقةِ الموتِ بالذَّوْقِ لأن الإنسانَ يذوقُ مرارةَ الموتِ وألمَ فِراقِ الحياةِ، إلا إذا كانَ مؤمنًا فإنه يَذُوقُهُ مِنْ وجْهٍ لكن يُهَوِّنُ عليه الأمرُ، وجهٌ آخر: وهو أنه إذا بُشِّرَ بالجنَّةِ عند موتِهِ فإنَّهُ يُسَرُّ بذلكَ ولهذا يَسْهُلُ على نفسه الخُروجُ؛ لأن الملائكة تَتَنَزَّلُ عليهم:{أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}[فصلت: ٣٠]، فيُسَرُّونَ بذلك ويَهونُ عليهم فراقُ الأحبَّةِ، ثم يَشْعُرونَ في هذه الحال أن إِمَامَهُم أَمَامهُم الرسولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وخلَفاؤُه الراشِدُون والصَّحابَةُ، فيقولُ المؤمن: الحمدُ للَّه أني أنْتَقِلُ من دارِ العَناءِ والشَّقاءِ والابتلاءِ والامتحانِ، إلى دارِ النَّعِيمِ مع النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وخلفائِهِ الراشدينَ وأصحابِهِ، فيَزْدَادُ بُشْرَى ويهونُ عليه الفِراقُ.
فهن نقولُ:{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}، ولكن فرق بينَ المذَاقَيْنِ: بين مذاقِ المؤمنِ ومذَاقِ غيرِ المؤمنِ.
(١) انظر: رسالة في المنطق، إيضاح المبهم في معاني السُّلَّم (ص: ٦٢).