للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الذي قُصِدَ من الآمِرِ أو النَّاهِي.

[من فوائد الآية الكريمة]

الفَائِدةُ الأُولَى: وجوبُ اتَّباعِ الأحسنِ في المجادَلَةِ، نأخُذُه من الحصْر في قوله: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، والنَّهْي يقْتضي التحريمَ، فإذا حُرِّمت المجادلَةُ إلا بالتي هي أحْسَنُ وجبَتِ المجادَلَةُ بالتي هي أحسنُ.

الفَائِدةُ الثَّانِية: أنه يجِبُ على المرءِ أن يعرفَ ما عند خَصْمِه ليجادِلَهُ به، يعني لو أن رجلًا أراد أن يجادِلَ اليهودَ فقال: سأقرأُ التَّوراةَ وما في كُتُبهِمْ حتى أستَطِيعَ أن أَرُدَّ عليهم فلا بأس، لكننا قلنا سابقًا: إن فِي القرآنِ والسُّنَّةِ من ذلك ما يَكْفِي ويشْفِي، فإن ما فيهما حقٌّ وما في التوراةِ قد يكونُ محَرَّفًا.

الفَائِدةُ الثَّالِثة: أنه يجِبُ ألا نجادِلَ غيرَ أهلِ الكتابِ إلا بالتي هي أحسنُ، كما لو جادَلْنا الفلاسفةَ وغيرَهم.

الفَائِدةُ الرَّابِعة: يجبُ في المجادلةِ اتِّباعُ ما يكون أشَدَّ إقْناعًا وإبْطالًا لحُجَّةِ الخصْم، لقوله: {إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}؛ لأن (أَحْسَنُ) اسم تفضيل، وتقدم أن المجادَلة إذا كانت تفْتَحُ بابَ المنازَعَة فإنه يُترك هذا البابِ إلى بابٍ آخرٍ، وذَكَرْنا مناظرةَ إبراهيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مع الذي حآجَّه في رَبِّه.

واعْلَمْ أن المقصودَ من المجادَلَةِ الوصولُ إلى الحقِّ لا مجرَّدَ الغلَبةِ، فالذي يَقْصِدُ بمجادَلتِهِ مجرَّدَ الغلبة لا للَّه ولكن لنَفْسِهِ؛ هذا في الحقيقةِ خاسِرٌ وإن ظَهَرَ وغَلَب، هذه هي المرتبةُ الأُولى.

والمرتبة الثانيةُ: منْ قَصَد الظهورُ والغَلَبة على خَصْمِه لأنه يعتَقِدُ أن الحقَّ معه،

<<  <   >  >>