لأنه إذا كانَ الإلهُ واحِدًا ونزَّلَ الكتابَ السابق، ثم نَزَّلَ الكتابَ المهَيْمِنَ اللاحقَ، فالواجبُ علينا وعليكم اتِّباعُ هذا الذي نَزَل من عند اللَّه المتَّفَقِ عليه بَيْنَنَا وبينكم.
ونضْرِبُ لذلك مثلًا على سبيلِ التَّقْدِيرِ وللَّه المثل الأعلى: مَلِكٌ له رَعِيَّة، فأمر جماعةً بأمرٍ وأمرَ آخرين بأمرٍ آخر، فالواجب علينا جميعًا الطاعةُ ما دُمْنا نعترفُ بأنه هو الملِكُ، كلٌّ يُطِيعُه بما أمَرَ به؛ فأنتُمْ أُمِرْتُمْ بشيءٍ ثم نُسِخَ هذا الأمر إلى أمر ثانٍ من إلهٍ واحد، فالواجبُ عَلينا جميعًا أن نَنْصاعَ تحت أمرِ هذا الإله الواحدِ.
قوله: {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُون} أي: نحن وأنتم لا نَحْنُ وَحْدنا، {وَنَحْنُ لَهُ} أي: لهذا الإله الواحدِ مسلمون، وتَقْدِيمُ المعْمُول يُفيدُ الحَصْرَ، يعني: له لَا لغَيْرهِ.
ومعناه أيضًا: أنكم لم تُسْلِمُوا للَّه بل أسْلَمْتُمْ لأهوائِكُمْ.
والمرادُ بالإسلامِ هنا الاستسلامُ ظاهِرًا وباطِنًا، ولهذا فسَّرَهُ العلماءُ بأنه الاستِسْلامُ للَّه ظاهرًا وباطنًا، الاستسلامُ ظاهرًا: أن يقومَ الإنسانُ بالأعمال الظاهرةِ كالصَّلاةِ والزَّكاةِ والصِّيامِ والحجِّ، والاستسلامُ باطنًا هو: إخلاصُ النِّيَّةِ للَّه عَزَّ وَجَلَّ، قال اللَّه تعالى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ} [البقرة: ١١٢]، إسلامُ الوجْهِ للَّه أي: إسلامُ القَصْدِ، {وَهُوَ مُحْسِنٌ} بالعَملِ الصَّالِحِ، أي: عَملِ الجوارحِ.
والإسلامُ عندَ ذِكْرِه وَحْدَهُ يشْمَلُ الإيمانَ، والإيمانُ إذا ذُكِرَ وَحْدَهُ يَشْمَلُ الإسلامَ وإذا اجتَمَعا صارَ الإيمانُ للباطِنِ والإسلامُ للظاهِرِ قال عَزَّ وَجَلَّ: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: ١٤].
قَال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّه: [{وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} مُطِيعُون]: فَفسَّر الإسلامَ بالطاعَةِ، والطاعَةُ هي موافَقَةُ الآمِرِ أو النَّاهِي، يعني أنها فِعْلُ المأمورِ وتركُ المحظُورِ على الوجهِ