للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهذا ليس فيه مُحَاجَّة للمشركينَ حتى نقول: إنه من باب التَّنَزُّلِ مع الخَصْمِ.

وقال إبراهيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لقومِهِ: {أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ} [الصافات: ٨٦]، وقال الرجلُ الصالِحُ النَّاصحُ لقومِهِ: {أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ} [يس: ٢٣]، فاتَّفَقَ على ذلك الوَحْيُ المُنَزَّل وكلامُ الرُّسُلِ وكلامُ الصَّالحينَ.

وقوله: {وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ} هذا في مخاطبَةِ اليهودِ ظَاهِرٌ وبيِّن، لكن في مخاطَبَةِ النَّصَارَى كيف يَصِحُّ أن نقول: {وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ} وهم يَعبدُونَ المسيحَ ويَرَوْنَهُ إلهًا، ويقولون: {إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} [المائدة: ٧٣]، والإله عندهُم مكوَّنٌ من أقانيمَ ثلاثة هي: الأبُ، والابنُ، والرُّوح القدس.

وهذا لا شكَّ أنه مكابَرَةٌ؛ كيف يكون الإلِهُ في ثلاثةٍ، وكلُّ واحدٍ قائم بنَفْسِه منْفردٌ عن الآخَرِ، والذي جاء به الإنجيلُ والتوراةُ أن الإله واحدٌ.

إذن: فالرَدُّ على زَعمَهِمْ أن نقول: إننا نُنْكِرُ أن يكون اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَتَعددًا، ونُلْزِمُهم بذلك؛ لأن النَّصارَى يقولُون: اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مخبِرًا عن زَعْمَهِمْ الباطلِ بسؤالِهِ لعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ يوم القيامة: {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ}، واللَّه يعلم أنه لم يَقُلْ شيئًا، لكن من أجلِ إبطالِ دَعْوى قومِه وإلْزَامِهِمْ بالحُجَّة {قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (١١٦) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} [المائدة: ١١٦ - ١١٧].

وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِد}، هذا فيه أيضًا إلزامٌ لهم بالقَبُولِ؛

<<  <   >  >>