للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الآية (٣)]

* * *

* قال اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: ٣].

* * *

قوله تعالى: {فَتَنَّا} بمَعنَى: اخْتَبرنَا الذين من قَبْلِهم، وقد أخبَرَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عن ذلك بقَولِهِ: "قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهَا، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ، فَيُجْعَلُ نِصْفَينِ، وَيُمَشَّطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ، فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ" (١)، يعني: يُؤتَى بأمشَاطِ الحديدِ ويُفْصَلُ بها اللَّحمُ ويمشَّطُ، ومع ذلك كله يصْبِرُ على دِينهِ ويحْتسبُ ولا يَرْتدُّ، فإذا كان هذا فيمن كان قَبْلنا فإن هذه الأُمَّةَ أوْلى بالصَّبر على هذا الأمرِ العَظيمِ، لا سِيَّما إذا كان المقامُ مقامَ جهادٍ، مثل ما وقَعَ للإمام أحمدَ رَحِمَهُ اللَّهُ في أيامِ المِحْنَةِ، فإنه كان يُضربُ بالسِّياط ويُجَرُّ بالبِغالِ، ليقول: إن القرآنَ مخلوقٌ، ومع ذلك أبَى أن يقول: إن القرآن مخلوقٌ؛ لأنه لو قال: إن القرآنَ مخلوقٌ سيَتَرتَّبُ على ذلك فسادُ الأمَّةِ كلِّها، فليست المسألةُ متَعَلِّقة به وحده.

ولهذا مَنْ أُكْرِهِ على الكُفرِ وكان كُفرُهُ يستلزمُ كُفر غيرِهِ وفسادَ الملَّة، فإنه لا يجوزُ له أن يوافِقَ ولو أُكْره؛ لأن المقامَ في حَقِّهِ مقامُ جهادٍ، والإنسان يجبُ أن


(١) أخرجه البخاري: كتاب الإكراه، باب من اختار الضرب والقتل والهوان على الكفر، رقم (٦٥٤٣).

<<  <   >  >>