فالقرآنُ في الحقيقة ذِكْرَى مِنَ الوجهين: من جهَةِ أنه نَزَلَ من عند اللَّهِ، ومجرَّدُ شعورِ الإنسانِ بأنه نَزَل مِنْ عندِ اللَّهِ لا شكَّ أنه يتَذَكَّرُ به ويُعَظِّمُهُ؛ لأنه كلامُ ربِّه، وكذلك أيضًا ما فيه من المعَانِي العَظيمَةِ والآثارِ الحَميدَةِ، هي أيضًا آيةٌ مِنْ آياتِ اللَّهِ.
ولهذا قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً} فالرَّحْمةُ مِنَ اللَّهِ، فاللَّه عَزَّ وَجَلَّ أنزلَ القُرآنَ رحمة للنَّاسِ، وأيضًا ذِكْرَى، يعني: عِظَة يتَذَكَّرُ به الناسُ، فبه يتَرَاحَمُونَ ويُرْحَمُونَ، فهو ذِكْرَى ولكن {لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}؛ لأن من لم يُؤْمِنْ فليس رَحَمَةً في حَقَّهِ، بل يَزِيدُهُ رِجْسًا إلى رِجْسِهِ فيَضِلُّ أكثرَ ويزدادُ كفرًا -والعياذ باللَّه-، فالمؤمن هو الذي يكونُ القرآنُ رَحمةً له وذِكْرَى ويُنْتَفَعُ به.
وما دامَ الأمْرُ عُلِّق على الوَصْفِ في قوله:{يُؤْمِنُونَ}، فكلَّمَا كان الإنسانُ أقْوى إيمانًا كان أكثرَ رَحمةً بهذا القرآن وتَذَكُّرًا، وكلما كان الإنسان أضعفَ إيمانًا كان القرآنُ أقلَّ رحمةً له وتَذَكُّرًا.
[من فوائد الآية الكريمة]
الفَائِدةُ الأُولَى: أن القُرآنَ كلامُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، لقوله:{أَنْزَلْنَا}.