وقال اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في سورة القتال:{وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا}[محمد: ١٦].
فالقرآنُ آياتٌ لمن أقْبَلَ عليه، ولهذا قال اللَّه تعالى:{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}[ص: ٢٩].
ثم إن هذا القرآن آيةٌ بنَفْسِهِ لا لوجودِ مانع من مُعَارَضَتِهِ؛ خِلافًا لمن قال: إن عدمَ معارَضَةِ القرآن ليسَ للقرآنِ نَفْسِهِ ولكن بصَرْفِ الناسِ عن مُعارَضَتِهِ، وإلا فهم قادِرُون على مُعارَضَتِهِ. وهذا لا شكَّ أنه خَطأ بيِّن، ولو صحَّ لكان آيةً لكنه لم يَصِحَّ.
بل نقول: إن القرآن نفسَهَ آيةٌ من آياتِ اللَّهِ، وكَافٍ للدَّلالَةِ على صدقِ الرسولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- لكن لمن تَدَبَّرَهُ؛ فإن العامِّيَ قد لا يظهْرُ له كونُ القرآنِ آيَةً بَيِّنَةً للرسولِ -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لأنه ليس من أهلِ العِلمِ، العامِّيُّ يعلم أن هذا القرآن كلامُ اللَّهِ، وكذلك يَشْعُرُ بما فيه مِنَ التَّرغيبِ والترهيب، ولهذا تَجِدُهُ يسألُ اللَّه من فضْلِهِ عند آيات الترغيبِ، ويسْتَعِيذُ باللَّه مِنَ النَّارِ والعذاب عندَ آياتِ التَّرْهِيبِ، وإذا جاءتْ أسماء اللَّه فإنه يَشْعُرُ بأن جِلْدَه يقْشَعِرُّ ثم يَلِينُ لذِكْرِ اللَّه، لكن الآياتِ العظيمَةَ التي يتَضَمَّنَهَا هذا القرآن لا يعْرِفُها العامَّةُ.
وقوله:{يُتْلَى عَلَيْهِمْ} أوَّلُ من تَلاه وبلَّغه الرسولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ والسَّلَامُ، وقال:{يُتْلَى عَلَيْهِمْ} ولم يَقُلْ: تَتْلُوه عَليهم؛ لأَنهُ أعمُّ؛ لأن الرسولَ -صلى اللَّه عليه وسلم- يتْلُوه على النَّاسِ ثم الناسُ يعَلِّمُ بَعْضُهم بعضًا.
وقوله عَزَّ وَجَلَّ: [{إِنَّ فِي ذَلِكَ} الكِتابِ]: يُحْتَمَلُ أنه إنزالُ الكتابِ؛ لأن الذي ذَكَرَ اللَّهُ أنَّه يَكْفِيهِمْ هُوَ إنزال الكتابِ، فيكون الَّذِي فيه الذِّكْرَى هو الإنزَالُ، ومعلومٌ أن الذِّكْرَى تكونُ في الإنزال باعتبارِ المُنَزَّلِ لكن إنزالَهُ من اللَّه ذِكْرَى،