تُؤَوَّلُ بمصدر على أن يكونَ فاعِلَ (يكفي) التقدير: أولم يكْفِهم إنْزَالُنا.
ولهذا قال:{أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ}، قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ:[القرآنُ]، وسُمِّي كِتَابًا لأنه مكتوبٌ في اللَّوْحِ المحْفوظِ، وفي الصُّحُفِ التي بين يَدِي الملائكةِ، ومكتوبٌ في المصاحف التي بَيْنَ أيْدِينَا.
قوله:{يُتْلَى عَلَيْهِمْ} يُقْرَأُ ولا أحد يَحُول بينهم وبينَهُ، والذي يتْلُوهُ الرسولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، يتْلُوه عَلَى النَّاسِ ويُبَلِّغُهُمْ إياه فيَتَنَاقَلُونَهُ.
وقوله: [{يُتْلَى عَلَيْهِمْ} فَهُو آيَةٌ مسْتَمِرَّةٌ لا انْقَضاءَ لها، بخلافِ ما ذُكِرَ مِنَ الآياتِ]: فالقرآنُ آيةٌ مْسَتَمِرَّةٌ إلى يومِ القِيامَةِ؛ لأن اللَّه تعالى يقولُ:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر: ٩]، بخلاف الآياتِ السَّابِقَةِ، الآياتُ السابِقَةُ مشهودةٌ يَنْتَفِعُ بها المشاهِدُونَ لها، أما مَنْ بَعْدهُمْ فإنما تَصِلُ إليهم عن طريقِ الأخْبارِ، ومن المعلومِ أنه ليس الخبرُ كالعَيانِ، أما القرآنُ فإنه بينَنَا نُشَاهِدُه ونَسْمَعُه ونَتْلُوه، فليس هو من طريقِ الخبرِ عن شيءٍ مَضَى، فيكون أعظمَ مِنَ الآيات التي انقَضَتْ وزالَتْ، وهذا هو السرُّ في أن القرآن كان آيةً لكُلِّ الناس؛ لأن النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مبْعُوثٌ إلى جميعِ البَشَرِ.
واعلم أن القرآن آياتٌ بَيِّنَاتٌ في صُدورِ الذين أُوتُوا العِلْمَ، أما المستَكْبِرُونَ الذين يَقْرؤونَ القرآنَ وهم مُعْرِضُونَ عنه فلا تَظْهرُ لهم الآيات ولا يكون لهم آية، قال اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة: ١٢٤ - ١٢٥].