قوله عَزَّ وَجَلَّ:{لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}، المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّه يقولُ: [{لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} ذَلِكَ مَا آثَرُوا الحياةَ الدُّنْيَا عَلَيْهَا]: أي لو كانوا يَعْلمونَ الفَرْقَ بينَ الدُّنْيا والآخِرَةِ ما آثَرُوا الحياةَ الدُّنْيا عليها، وهذه جملَةٌ مستَأْنَفَةٌ، و (لَوْ) ليست صالةً تَتَعَلَّقُ بما قَبْلَهَا, ولكنها مسْتَأنفَةٌ، فهي شَرطِيَّةٌ وجوابُ الشرطِ محذُوفٌ قدَّرَهُ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} ذَلِكَ مَا آثَرُوا الدُّنْيَا عَلَيْهَا]، وتقديره رَحِمَهُ اللَّهُ يَصِحُّ أن يكونُ جوابًا، لكنَّ الجوابَ أبلَغُ مِمَّا قدَّره المفَسِّرُ، فحُذِفَ لأجلِ أن يبْلُغَ الذِّهْنُ في تقدِيرِهِ كلَّ مبْلَغٍ {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} لعَمِلُوا لها لَيْلًا ونَهارًا، والمعنى: أن مَنْ قَدِمَ الدُّنَيا على الآخِرَةِ فليس عنده عِلْم، ولو كان يعلَمُ حقيقةَ ومن ذِويَ العِلْمِ والفَهمِ، ما قدَّمَها على الآخرة.
[من فوائد الآية الكريمة]
الفَائِدةُ الأُولَى: بيانُ حقارةِ الدُّنْيَا وأنها ليستْ بشيءٍ مُطْلَقًا، لقوله:{وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ}، فظاهرُ الآية أن الدُّنيا لَهْوٌ ولَعِبٌ على سَبيلِ الإطلاقِ، ويُمْكِنُ أن نقولَ إن ذَلِكَ على سبيلِ المقارَنَةِ بالآخِرَةِ، لقولهِ:{وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}، وأما القُرَب فقد سبقَ قولُ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ:[إنَّها مِنْ أعمالِ الآخِرَةِ لظُهورِ ثَمرتِهَا فِيهَا].
الفَائِدةُ الثَّانِيةُ: لا يجوز أن يُقْصَدَ بأعمالِ الآخرةِ شيئًا مِنْ أعمالِ الدُّنْيَا؛ لأن الدنيا لهوٌ ولَعِبٌ، والدارُ الآخرة هي الحيوانُ، وعليه فالمسائلُ التي يُقْصَدُ بها الآخرةُ لا يجوزُ أن يُؤخَذَ عليها عِوضٌ مِنَ الدنيا، وهذا فيه خِلافٌ بين أهلِ العِلم في باب الإجارَةِ.
الفَائِدةُ الثَّالِثة: كما حياةُ الآخرةِ، لقولِهِ:{وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ}