للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد يكونُ جُحودًا كهذه الآيةِ.

وقوله: {بِآيَاتِنَا} أي: الشَّرْعِيَّةِ والكونية، فإن مِنَ النَّاسِ مَنْ جحدَ الآياتِ الكونِيَّةِ، جَحَدَ أن اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُحْيى الموتَى، بل مِنَ الناس من جَحَدَ أن تكونَ هذه الخَلِيقَةُ بخالقٍ، وأما جَحْدُ الآياتِ الشَّرعيةِ فكَثيرٌ.

قوله: {وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ} مفهومها أن غيرَ الكافرين يُقُرِّونَ بها، وعلى هذا فكُلُّ من جَحَدَ شيئًا من آياتِ اللَّه فإنه يَسْتَحِقُّ من الكُفْرِ بقَدْرِ ما جَحَدَ، إن كان كفرًا مُطْلقًا أو أقلَّ.

وقَال المُفَسِّر: [أي: اليَهُود]: هذا قُصُور في التَّفْسِيرِ؛ لأن قوله: {الْكَافِرُونَ} أعَمُّ من اليهودِ؛ لأن (ال) اسمٌ مُوصولٌ، قال ابن مالك رَحِمَهُ اللَّهُ (١):

وَصِفَةٌ صَرِيحَة صِلَةُ (ال) ... وَكَوْنُهَا بِمُعْرَبِ الأفْعَالِ قَلّ

فـ (ال) تُفيدُ العُمومَ، يعني: ما يجْحَدُ إلا الكافِرُ، وعليه فقوله: {الْكَافِرُونَ} يشمَلُ اليهودَ وغيرَ اليهودِ، أليس اللَّه تعالى قال: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} [النمل: ١٤]، وفرعونُ ليس مِنَ اليهودِ، فرعون من الأقباطِ، وذلك قبلَ أن يكونَ بَنُو إسرائيل يهودًا.

[من فوائد الآية الكريمة]

الفَائِدةُ الأُولَى: أن القرآنَ مُنَزَّلٌ من عِندِ اللَّهِ، لقولِهِ: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا}، وأنه كَلامُهُ حُروفُه ومعانِيهِ، لقوله: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ} والذي يُكْتَبُ هو الحُروف، وعلى هذا فيكونُ كلامَ اللَّه حروفَه ومعانِيهِ.


(١) البيت رقم (٩٨) من ألفيته.

<<  <   >  >>