الوافدينَ لعِبادَتِها والتَّبَرُّكِ بها، لكن هذه المنافع مادية، أما النفعُ الحقيقي الذي هُم يَرْجونَ وهو دَفْع الضُّرِّ عنهم وجلبُ النَّفْعِ لهم فليس بحاصِلٍ، فلا تنْفَعُهم آلهتهم ولا تمنْعُهُم، كما أن بيتَ العنكبوتِ لا ينْفَعُها ولا يمْنَعُها فيأتيها الهواءُ والبَرْدُ والمطرُ ويَعْلَقُ بها التراب فلا تنتفع به الانتفاعَ الكامِلَ، وأما الصيدُ فالعنكبوت لا تَصِيدُ بالبَيْتِ، أي: لا تنَتفعُ به في الصَّيدِ بل بالعُشِّ الذي يخرج منها وهو الخُيوطُ.
[من فوائد الآية الكريمة]
الفَائِدةُ الأُولَى: تَقْبيحُ هؤلاءِ المشركينَ وتَنزيلُ مَرْتبَتِهِمْ، حيث شُبِّهوا بالعناكِبِ؛ لأن تشبيهَ الإنسان بالحيوان إذلالٌ له وتَنزيلٌ لمرْتَبَتِهِ؛ لأن اللَّه تعالى يقول:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}[الإسراء: ٧٠].
الفَائِدةُ الثَّانِية: أن هذه الأصنامَ لا تنْفَعُ عابِدِيها ولا تدْفَعُ عنهم، فهي لا تجلِبُ الخيرَ ولا تدْفَعُ الضُرَّ، حيث شُبِّهَتْ ببَيْتِ العنكبوتِ.
الفَائِدةُ الثَّالِثة: جوازُ ضربِ الأمثالِ بالدُّونِ حسبَ ما تقتَضِيهِ الحالُ، لقولهِ:{كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ} فإن العنكبوتَ مِنْ أدْنى ما يكون مِنَ المخلوقاتِ، وقد قال تعالى في سورةِ البَقَرَةِ:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا}[البقرة: ٢٦]، وقد ضَرَبَ اللَّه مَثَلًا بالذُّبابِ وبالحِمارِ وبالكلبِ وبالبعُوضةِ وبالعنكبوتِ، كل هذا حسبَ ما يقْتضيهِ المقَامُ.
الفَائِدةُ الرَّابِعة: أن أَوْهَنَ البيوتِ وأضْعَفَها بيتُ العنكبوتِ، من هذا نأخذ أنه لا ينبغي أن يقال مثلًا: هذا البيتُ أوْهى مِنْ بيتِ العنكبوتِ، لقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: