للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مقرونةٌ بحُكْمِه وأن له الحكمَ المطلقَ في عبادِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

واعلم أن أسماءَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لها مَعانٍ عندَ إفرَادِهَا، وإذا قُرنِتْ مع غيرها يتركَّبُ من هذا الاقترانِ معنًى آخر فوقَ المعنى الإفرادِي لكُلِّ اسم، فالعزيزُ مِنْ أسماءِ اللَّه جَلَّ وَعَلَا له مَعْنى عندَ انفرَادِهِ، والحكيم له معنى عند انفرَادِه لكن إذا اقْترنَا جميعًا حصل منهما معْنى ثالث زائد على المعنى الانْفرادِيِّ، وهو ما يحصل باجتماع هذين الاسمين من المعْنى الكامِلِ.

وقد تقدَّمَ أن الحكيم ذو الحُكم والحِكْمة، وأن الحُكْم ينقَسِمُ إلى كونِيٍّ وشَرْعِيٍّ، فمثالُ الكونيِّ قوله تعالى: {فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي} [يوسف: ٨٠]، ومثالُ الشَّرْعِيِّ قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في سورَةِ المُمْتَحَنَةِ: {ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ} [الممتحنة: ١٠]، ويشملهما -أي: الحكم الكَوْنِي والشرعي- قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} [المائدة: ١] وما أشبه ذلك.

فالحِكمةُ ثابتَةٌ للَّه عَزَّ وَجَلَّ وهي تَنزيلُ الأشياءِ منازِلها، وتكون في الحُكم الكوْنِيِّ والحُكمِ الشَّرعِيِّ، هذا باعتبارِ موضِعِها، وتكون أيضًا حِكَمةٌ غائِيَّةٌ وحكمَةٌ صُورِيَّةٌ، بمعنى أن كونَ الشيءِ على هذه الصورةِ المعَيَّنَةِ موافقٌ للحِكمةِ، ثم الغايةُ منه حِكْمَةٌ، فتكون الحِكمةُ في الغايَةِ وفي الهيْئةِ التي كان عليها هذا الأمر، وهذا شامِلٌ لجميعِ أحكامِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الكونية والشَّرْعِيَّةِ.

[من فوائد الآية الكريمة]

الفَائِدةُ الأُولَى: إثباتُ العِلْمِ للَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فيما يتعَلَّقُ بالخلقِ؛ لأن اللَّه جَلَّ وَعَلَا ما حكم على هؤلاء المشركين بمشابهتهم للعَنكبوتِ إلا عن عِلْمٍ بأن هذه الأصنامَ لا تنفعُ ولا فائدةَ منها، فالآية كالتَّعْلِيلِ لما قَبلَها.

<<  <   >  >>