للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفَائِدةُ الثَّانِية: وهي مبنية على الأُولى، الردُّ على غُلاةِ القَدرِّيَةِ الذين قالوا: إن اللَّه لا يعلمَ الأشياء المتعلِّقَةَ بالخلْقِ إلا بعدَ وُقوعِها -نعوذ باللَّه- لكن شيخ الإسلام رَحِمَهُ اللَّهُ يقول (١): إنهم قَلِيلٌ، وذلك في وَقْتِهِ؛ لأنهم رأوا أن إنْكارَهُم العلْمَ نداءٌ على أنْفُسهِمْ بالكُفر فأثْبَتُوا العِلمَ للَّه وأنكَرُوا الكتابةَ والمشِيئةَ.

الفَائِدةُ الثَّالِثةُ: إثباتُ اسمينِ مِنْ أسماءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وهما: العَزيزُ والحكيمُ، وإثباتُ ما تَضَمَنَّاهُ من صفةٍ وهي: العِزَّةُ والحِكمةُ، وكذلك إثبات ما تَضَمَنَّاه من صفةٍ بدَلالة الالتزامِ.

فنُثْبِتُ ما يستْلزِمُه هذان الاسمانِ منَ الصِّفاتِ؛ لأنَّ دَلالَةَ اللفظِ على معناه تكون بدلالةِ المطابَقَةِ والتَّضَمُّنِ والالتزامِ، وقد تقدم الكلام على ذلك، ونضربُ لذلك مثلًا:

كلمة (دَارَ) أي: المسكُونَةُ، تدلُّ على هذه الكُتلةِ من البناء المتضمنة للغُرَفِ والحُجَر والسُّطوحِ؛ تدل على ذلك بالمطابَقَةِ، وتدل على كُلَّ حجرةٍ بمُفْردِهَا أو غرفةٍ بمفردها أو سطح بمُفرده؛ تدل على ذلك بالتَّضَمُّنِ، يعني: أنها متَضمَّنة لغُرفٍ وحُجَرٍ. . . إلخ، وتدل على أن لها بانِيًا بِدِلالَةِ الالتزامِ.

فالعزيزُ يدُلُّ على العزَّةِ دلالةَ مطابَقةٍ، ومن لازم العزة أن يكون العَزِيزُ عالمًا قادِرًا قَوِيًّا، ودلالةُ العزيزِ على الذات والصِّفَةِ دلالةُ مطابَقَةٍ، وعلى الذات والصفة وحدها دلالة تَضَمُّنٍ.

ولهذا فالحيُّ القيومُ اسمان تضَمَنا جميعَ الصفات؛ لأن الحيَّ مستلزمٌ لجميعِ صفاتِ الكمالِ، والقيُّومُ مستلزمٌ لجميعِ صفاتِ السلطانِ والمُلك والتَّدْبِيرِ وما أشبه


(١) مجموع الفتاوى (٣/ ١٤٩).

<<  <   >  >>