للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالمبْطِلُونَ أي: المبْتَغُونَ للباطِلِ الدَّاخِلُونَ فيه.

[من فوائد الآية الكريمة]

الفَائِدةُ الأُولَى: إثباتُ أن رَسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يَقْرَأُ ولا يكْتب قبل أن يَنْزِلَ عليه القرآنُ، لقولِهِ: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ}.

واختلَفَ العُلماءُ هل صارَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يُحْسِنُ الكِتابَةَ والقِراءةَ بعدَ نُزولِ القُرآنِ أو لَا؟

جمهورُ الأمَّةِ على أنه لا يُحْسِنُهَا، وأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- ماتَ وهو لا يَقْرَأُ ولا يَكْتُب، واستَدَلُّوا لذلك بأن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان أُمِّيًا وصفَه اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بأنه النَّبِيُّ الأُمِّيُّ، والأمِّيُّ هو الذي لا يَقْرأُ ولا يَكْتُب، وهذا الوصفُ الأصْلُ بقَاؤُه حتى يَتبَيَّنَ زَواله.

واستدلُّوا بأن الرسولَ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان لَدَيْهِ كُتَّابٌ يَكْتُبونَ الوحْي والرسائلَ للملوكِ يدْعوهم إلى اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولو كان يكْتُبُ بيدِهِ لكانت كِتَابَتُه بيدِهِ أوثَقُ وأقْوَى اطمِئْنَانًا في المكْتوبِ، والرسولُ -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يكُنْ ليَدعَ ما هو أوْثَقُ وأقوى اطْمئنَانًا لأمرٍ دونَهُ إلا عند العَجزِ عنه.

وقال بعضُ أهل العِلْمِ: إنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- صارَ يُحْسِنُ الكِتابَةَ والقِراءةَ بعدَ نُزولِ الوَحْي عليه، واستَدَلُّوا بأن اللَّه تعالى قال: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ} فمفهوم {مِنْ قَبْلِهِ} يقْتَضِي أنه بعد ذلك لا يمْتَنِعُ عليه أن يَقْرأَ أو أن يَكْتُبَ.

واستدَلُّوا أيضًا بأن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في غزوةِ الحُديبِيَةِ لما أمرَ علَّي بنِ أبي طَالِبٍ أن يكْتُبَ: "هَذَا، مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ"، فَقَالَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو: لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، مَا صَدَدْنَاكَ عَنِ الْبَيْتِ، وَلَا قَاتَلْنَاكَ، وَلَكِنِ اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه،

<<  <   >  >>