قوله عَزَّ وَجَلَّ:{بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ}(بَل) هنا للإضرابِ، والإضْرابُ نَوعان: انتِقَالي وإبْطَالي، وهنا يحتَمِلُ أن الإضْرَابَ للإبطال؛ لأنه لما قالَ:{وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ}، قال:{بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ}، ووجه كونِ الإضْرابِ للإبطالِ؛ لأنه أبْطَلَ قولهم: إنه جاء به من عنده.
ويُحْتَمَلُ أن يكونَ الإضرابُ انتِقَالِيًا؛ لأنه لما نفى ما يكون به مُتَقَوِّلًا على اللَّه أثْبَتَ أنه آياتٌ من اللَّه، فيكون انتقالًا من النَّفْي إلى الإيجابِ.
وقوله:{آيَاتٌ} جمعها لأن كُلَّ آيةٍ مِنَ القُرآنِ فهي آيَةٌ على صِدْقِ الرسولِ -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لأن كلَّ آيةٍ منه مُعجِزَةٌ، وإعجازُهُ في لفْظِهِ ومعناه، تَحَدَّى اللَّه الناسَ والعَرَبَ كُلَّهُم أن يَأْتُوا بمثل هذا القُرآنِ أو بعَشْرِ سُورٍ مِنْ مِثْلِهِ أو بسورةٍ أو بَحَدِيثٍ، ولو آيةٍ، قال اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ}[الإسراء: ٨٨]، هذا عمومُ القُرْآنِ، تحَدَّاهُمْ اللَّه -جلَّ وَعَلَا- أن يَأْتُوا بمِثْلِهِ، وتحدَّاهم أن يَأْتُوا بعشْرِ سُورٍ، قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ}[هود: ١٣]، وتحدَّاهم أن يأْتُوا بسُورَة واحدةٍ، قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: