للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَأَمَرَ عَلِيًّا أن يَمْحُوَهَا، فَأَبَى عَليٌّ -رضي اللَّه عنه-، فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَمَحَاهَا وكَتَبَ: مُحَمَّدُ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ (١). هذا لفظُ البُخَارِيِّ، قالوا: فكلمة (كَتَب) تدل على أنه بَاشَرَ الكِتَابَة.

القولُ الثالِثُ: أن النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قرأَ وكَتَبَ بعد أن نَزَلَ عليه القُرآنُ؛ لأن اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعْطَاهُ عَقْلًا وأعْطَاهُ عِلْمًا، والعاقِلُ العالمُ لا يَشُقُّ عليه أن يَقْرأَ ويَكْتُبَ بعد أن ينْزِلَ عليه القرآنُ؛ لأن التعلمَ يكون مِنَ الصَّبيانِ الصِّغارِ فكيف بمثل حالِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فلا يَمْتَنِعُ عليهِ ذَلكَ.

وأجابوا عن احتِجَاجِ أولئكَ بقولهِمْ: إن وَصْفَه بالأُمِّي لا ينَافِي أن يكون تَعَلَّمَ الكتابَة بعد ذلك من وجهين:

الوجهُ الأَوَّلُ: أن وصْفَهُ بكونهِ أُمِّيًّا لا يَعْنِي الوَصْفَ الشَّخْصِيَّ، إذ قد يراد به أنه مِنَ الأُمِّيينَ، فيكونُ الأُمِّيُّ مثلَ القُرَشِيِّ، يقول اللَّه تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ} [الجمعة: ٢].

أو يقالُ: إنه كان أُمِّيًا حين نُزولِ القرآنِ عليه.

والجوابُ عن كونِ الرَّسولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ له كُتَّابٌ، هو: أن الكبيرَ والرئيسَ جرتِ العادَةُ أن يكون له كُتَّاب يكْتُبون له ما يُريدُ، كما هو مشهور، فهذا شأنُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مع كُتَّابِ الوَحْي وكُتَّابِ الرسائل إلى الملوكِ.


(١) أخرجه البخاري: كتاب الصلح، باب كيف يكتب هذا ما صالح فلان بن فلان وفلان بن فلان. . .، رقم (٢٥٥٢) عن البراء بلفظ: فلما كتبوا الكتاب كتبوا: هذا ما قاضى عليه محمد رسول اللَّه، فقالوا: لا نقر بها، فلو نعلم أنك رسول اللَّه ما منعناك، لكن أنت محمد بن عبد اللَّه، قال: "أنا رسول اللَّه وأنا محمد بن عبد اللَّه". ثم قال لعلي: "امح رسول اللَّه". قال: لا واللَّه، لا أمحوك أبدًا. فأخذ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الكتاب فكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد اللَّه. . .؛ ومسلم: كتاب الجهاد والسير، باب صلح الحديبية في الحديبية، رقم (١٧٨٣) عن البراء.

<<  <   >  >>