قلنا: هذا حقٌّ بالنسبة لظاهِرِ الكَّلامِ، لكن عندَ التأَمُّلِ نجِدُ أن ختِامَهُ بالعِزَّةِ والحكمَةِ أبلغُ، فإنهم يُريدونَ الاستِنْصارَ بهذه الأصنامِ والغَلبةَ والظهورَ، وأكبرُ شاهد لذلك قولُ أبي سفيان يوم أحد:(اعْلُ هُبَلْ)(١)، فاعتزازهم بهذه الأصنام مقابلٌ بعزَّةِ مَنْ لا يُغْلَب وهو اللَّه جَلَّ وَعَلَا، ولهذا قال:{وَهُوَ الْعَزِيزُ} الغالبُ لهذَهِ الأصنامِ ولعَابِدِيها.
و{الْعَزِيزُ} من أسماءِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، ويتَضَمَّنُ العزَّة مِنْ ثلاثةِ وُجوهٍ: عزَّةُ القَدْر، وعزَّةُ القَهرِ، وعزَّة الامتِنَاعِ، كما تقدم.
أما عِزَّةُ القَدْرِ فمعناها: أنه عَزَّ وَجَلَّ لا يُشْبِهُه أحدٌ في عَظَمَتِهِ وجلالِه وقَدْرِه، وأما عزَّة القَهْرِ فمعناها: أنه لا أَحَدَ يُشْبِهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ في قَهْرهِ وسُلطانِهِ ومُلكِهِ، وأما عزَّة الامتْناع فمعناها: أنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ممتَنِعٌ عن كُلِّ نَقْصٍ وعن كلِّ عَيْبٍ، فهو عزيزٌ أن يُنال بعَيْبٍ أو نَقْصٍ.
وقوله:{الْحَكِيمُ} دائمًا يَقْرِنُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ العَزّة بالحِكْمَةِ؛ لأن بعضَ أهلِ العِزَّةِ من الخَلْقِ تحْمِلُهم العزَّةُ على التَّهَوُّرِ وعدمِ التَّثَبُّتِ، وعدمُ تنزيلِ الأشياءِ منازَلَها، ودليلُ ذلكَ قولُه عَزَّ وَجَلَّ:{وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ}[البقرة: ٢٠٦]، وكون العِزَّةِ تأْخُذُه بالإثمِ خلاف الحكمة، فلهذا يَقْرِنُ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى دائمًا العزيزَ بالحكيمِ إشارةً إلى أن عِزَّتَهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَقْرُونَةٌ بالحِكمةِ، فهو وإن كانَ عَزِيزًا غالِبًا قاهِرًا لَهُ السلطانُ الكامِلُ، فإنه عَزَّ وَجَلَّ لا يُدَبِّرُ الأمرَ إلا على وجْهِ الحِكمةِ البالِغَةِ.
ثم إنه على تَفْسيرنا {الْحَكِيمُ} بأنه ذُو الحُكم والحِكمة، فإن عِزَّتَهُ عَزَّ وَجَلَّ
(١) أخرجه البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة أُحد، رقم (٣٨١٧).