للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حقيقةَ حالِ العابِد طلبُ مغفرةِ اللَّه ورَحمتِهِ، فهو في الحقيقة داعٍ ضمنًا، ودليلُه قوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: ٦٠].

فقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{مَا يَدْعُونَ} ما يَعْبُدُونَ] فيه نظَرٌ، فينبغي أن نجعلَ الدُّعاءَ هنا شامِلًا لدعاءِ العبادَةِ ولدعاءِ المسألةِ، وأيضًا فالمشركون يدْعُونَ الأصنامَ دعاءَ عِبادَةٍ، ودعاءَ مسألَةٍ، فالذين يُشْرِكُونَ بالأنبياء والأولياء فإنهم يَدْعُونَهُم دعاءَ مسألَةْ، يقول أحدُهم: يا رسول اللَّه اغفر لي، ويا رسول اللَّه يَسِّرْ أمْرِي، وما أشبه ذلك!

قَال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{يَدْعُونَ} يَعْبُدونَ بالياءِ والتاءِ]: يعني: (يَدْعُونَ) و"تُدْعَوْنَ" قراءتان سبعيتان (١).

قوله: {مِنْ شَيْءٍ} هذا بيانٌ لـ {مَا} يعني: أي شيء تَدْعُونه فإن اللَّه تعالى عالم به، أي: أنه يعْلمُ حالَ هذا المدْعو المعْبُودِ، وهي كالتَّعْليلِ لقوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ}، ويؤيدُ ذلك أن هذا المثلَ مطابِقٌ للواقِعِ؛ لأنه صادرٌ عن عِلم، فإنه لما ذَكَرَ أنهم كالعنكبوت بيَّن أن هذا عَنْ علمٍ من اللَّه، وأن هذا الشيءَ الذي يُدْعَى لا ينْفَعُ.

قوله: [{وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} العَزيزُ في مُلكِهِ، الحكِيمُ في صُنْعِهِ]:

لو قال قائل: إن المناسب أن يقالَ: وهو السميعُ العَليمُ؛ لأن اللَّه تعالى يقولُ: {يَعْلَمُ} فمُقتَضَى الظاهرُ أن تُختَمَ الآية بالعِلْمِ؟


(١) السبعة في القراءات (ص: ٥٠١).

<<  <   >  >>