للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله رَحِمَهُ اللَّهُ: [{لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} لو كانُوا يَعْلَمُونَ ذلك ما عَبَدُوهَا]: (لو): هنا شَرطِيَّةٌ، وفِعْلُ الشرطِ قولُه: (كَان) وجوابُ الشَّرطِ مقدَّرٌ على كلامِ المُفَسِّر والتقدير: (ما عَبَدُوهَا)، ولهذا لا ينبغي أن تُوصَلَ هذه الجملة بالتي قَبْلَها؛ لأنك لو وصلْتَها بالتي قَبلهَا لكان وَهَنُ بيتِ العَنكبوتِ مشروطًا بعِلْمِهِمْ، مع أن بيتَ العَنكبوتِ أوهنُ البيوتِ سواءٌ عَلِمُوا أم لم يعلَموا، ولهذا ينْبَغِي أن نَقِفَ على قوله: {لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ} ثم نَقْرَأُ {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}.

وهذا يُذَكِّرُنَا بآيةٍ في سورةِ التكاثرِ يخْطئ فيها كثيرٌ مِنَ الناس، حيث يقرؤون بوصلِ الآيتينِ {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (٥) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} [التكاثر: ٥ - ٦]، وهذا خطأٌ؛ لأن المعْنَى يفْسُدُ به فسَادًا وضاحًا؛ لأنك لو وصلت لكان قوله عَزَّ وَجَلَّ: {لَتَرَوُنَّ}، جواب قوله: {لَوْ تَعْلَمُونَ}، والأمرُ ليس كذلك، فجملة {لَتَرَوُنَّ} مستأنفة مستَقِلَّةٌ فيجبُ الوقْفُ على قوله عَزَّ وَجَلَّ: {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ}.

المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ يقولُ: [{لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} ذَلِك ما عَبَدُوهَا] ويحتمل الجوابُ: لو كانُوا مِنْ ذَوِي العِلْمِ النافِعِ ما خَفِي عليهِمُ الأمْرُ، فإذا لم يخفَ عليهم هذا الأمْرُ لم يَقُومُوا بالعِبادَةِ.

والحاصل: أن هذا يَدُلُّ على جهلِ هؤلاءِ العابِدِينَ، فمهما بلَغُوا من الذَّكاءِ وحُسنِ التَّصَرُّفِ في الدنيا فإنهم من هذه الناحية سُفهاءٌ ليسَ عندَهم عِلم ولا عَقل.

لو قال قائل: إن العنكبوتَ قد تَنْتَفِعُ مِنْ بَيْتهَا، أما عبَّادُ الأصنامِ فلا ينتَفِعُون قطعًا فلا مشابَهَة بينهما، فما وَجْه الشَّبهِ بينهما؟

الجواب: عُبَّادُ الأصنام أيضًا قد ينتَفِعُون بما يحصلُ لهم مِنْ منْفَعَةٍ مادية من

<<  <   >  >>