فتَشْمَلُ الآلِهَةَ والمتَأَلِّهين، فلو كانوا آلهِةً حَقًّا لمنعوا أنفُسهُم وعابِدِيهم من دُخولِ النَّارِ ولكنها آلهةٌ باطِلَةٌ لا تنْفَعُ، فهذا وجه المشابَهَةِ في قولِهِ:{وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ}.
وهذا التَّشْبِيهُ يُسَمِّيهِ البيانِيُّونَ التَّشْبِيه التَّمْثِيليّ، يعني أنه مكونٌ من جُملَةٍ، فأنت إذا قلت: فلانٌ كالبحرِ في الكرمِ، فهذا تَشْبِيهٌ، لكنه تَشْبِيهٌ إفرادي، أي: شَبَّهْتَ فَرْدًا بفردٍ، أما تشبيهُ قضيةٍ بقضية أو قصة بقصة فإن هذا التَّشْبِيهُ تَشْبِيهٌ تَمْثِيليٌّ مركَّبٌ من عدة أوْجُهٍ، من مشبَّهٍ متعدِّد ومشبه به كذلك متعدِّد، وأوجهُ الشَّبَهِ متعدِّدة لأنه مركبٌ من قِصَّةٍ متكامِلَةٍ، وذلك لأنه لم يقْصِدْ أن يشبِّه العابِدين بالعنكبوتِ وَحْدَه ولا قصدَ تَشبيهَ المعْبُودِين بالبيوتِ وحْدهَا، بل قصَدَ تشبيهَ قَضيةٍ كامِلَةٍ بقضيةٍ كاملة حتى تتَّضِحَ الصورةَ أمام المخاطب.
وقوله عَزَّ وَجَلَّ: [{وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ} لا يَدْفَعُ عنها حرًّا ولا برْدًا]: وكذلك لا يَقِيهَا مِنَ الآفاتِ، كأن يسقُطُ عليها شيء أو نحو ذلك، فهذا البيتُ أوهنُ البيوتِ.
ثم قَال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ:[كذلك هذه الأصنْامُ لا تَنْفَعُ عابِدِيهَا]: فهؤلاء الذين عبدُوا الأصنامَ ما لَجَؤوا إلى ملجأ نافعٍ، بل لجَؤوا إلى مَلْجأ ليس بنافعٍ ولا مانِعٍ ولا دافعٍ، ولهذا شبَّه اللَّه ذلك البيتَ ببيتِ العنكبوتِ.
وفي آية أخرى شبَّه هذه الأصنامَ ودعاءَها برَجلٍ باسِطِ كَفَّيْهِ إلى الماء ليبْلُغَ فاه، ولا يَبلُغُه، فهذا الرجلُ أمامَه الماء وهو عطشانُ فبَسَطَ كَفَّيْهِ إلى الماء يريدُ إن يَصِلَ الماءُ إلى فَمِه، والماء لا يمكن أن يَصِلَ إلى فَمِهِ أبدًا، فكذلك هذه الأصنامُ لا تنفع عابِدِيها كما أن الماءَ لا يصِلُ إلى فم هذا العطشان.