والمرادُ بـ {الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ} المشْرِكُونَ.
قوله:{كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ} أي: كَشَبَهِ العَنْكبوتِ، والعنكبوتُ دُوَيْبَةٌ معروفة تَتَّخِذُ لها بيتًا من العُشِّ، وهذا البيتُ هي التي تَنْسجه، أي: هي تُفرزُ مادَّته، واللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على كلِّ شيءٍ قديرٍ، هذه العنكبوت إذا سقطتْ مِنْ أعلى فإنها تُفرزُ بسرعة هذا العشَّ وتتعلق به حتى لا تقعُ على الأرض وتظل متدَلِّيَةً بهذا الخيطِ وإذا شاءت أن تصعد به صعِدتْ، فتَتَقَلَّبُ، وتجعلُ رأسها إلى أعْلَى وتصْعَدُ مع هذا الخيط الذي أفرزته ثم إنها عند صَيدِهَا -وأكثر ما تصيد الذباب- تقَيِّدُهُ بهذه الخيوطِ حتى تَقْضِيَ عليه، وهذا بعضٌ من قوله تعالى:{قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}[طه: ٥٠]، هَدَى هؤلاءِ الخلقَ لمصالحِهم.
قوله عَزَّ وَجَلَّ: [{اتَّخَذَتْ بَيْتًا} اتَّخَذَتْ بَيْتًا لنْفِسهَا تَأوِي إِليهِ]: وهذا البيت هو المشاهدُ.
قوله: [{وَإِنَّ أَوْهَنَ} أضعْفَ {الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ}]: هذا كلام اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وهو العالم بما لم نُحِطْ به عِلْمًا، وما أكثرَ مخلوقاتِ اللَّه تعالى التي لها بيوتٌ ونحن لا نَعْلَمُ عن هذه البيوتِ إلا ما نُشَاهِدُهُ منها، وما أكثرَ الغائبِ عنَّا!
وقوله:{وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ} الجملة مؤكَّدَةٌ بـ (إنَّ) و (اللام) من أجلِ تأكيدِ ضَعفِ هؤلاءِ الأولياءِ، فكما أن هذه البيوتَ التي تَأْوي إليها العناكِبُ ضَعِيفَةٌ بل هي أوْهَنُ البيوتِ وأضْعَفُها، فإنَّ هؤلاء الأولياءِ كَذَلِكَ أضْعَفُ ما يكون مِنَ الأولياءِ؛ لأنهم لا ينْفَعُون عابِدِيهِمْ، بل إن اللَّه يقولُ في القرآنِ: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (٩٨) لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً} حَقًّا {مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ}[الأنبياء: ٩٨ - ٩٩]،