للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهي البلادُ الإسلامِيَّةُ؟ وهذا الثاني هو الظاهِرُ وهو أن اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يحُثُّ المقِيمِين في بلادِ الكُفْر أن يُهاجِرُوا إلى أرض اللَّه، كَمَا قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} [النساء: ٩٧].

وقوله: {إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ} الواسعُ: ضِدُّ الضَّيِّقِ، يعْني الذي يَسَعُ ما يكونُ فيه، أي: ليس فيها ضَيِّقٌ فلا حُجَّةَ لكُمْ في التأَخُّرِ عن الهِجرَةِ، ولهذا قال: {فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} (إياي): إعرَابُهُ مفعولٌ به لفِعْلٍ محذوفٍ دَلَّ عليه ما بعْدَهُ والتقدِيرُ: إيَّاي خُصُّوا بالعِبادَةِ. أما مَفْعُولُ الفِعْلِ الموجودِ فَهُو محذوفٌ دَلَّتْ عليه نُونُ الوِقايَةِ.

وقوله: {فَاعْبُدُونِ} قد يقولُ قائلٌ: هذا يتَنَاقَضُ مع قوله: {يَاعِبَادِيَ}.

ولكننا نقول: لا تَنَاقُضَ؛ لأن المرادَ بقولِهِ: {فَاعْبُدُونِ} أي: أَدِيمُوا عبادَتِي وأكْمِلُوها؛ لأن الأمر بما هو واقِعٌ لَغْوٌ من القولِ، فحينئذٍ لا بُدَّ أن نُقَدِّرَ معْنًى يتَلاءمُ مع الأمرِ.

وقوله: {فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} هذه الآية تُفِيدُ الحَصْرَ والاخْتِصَاصَ.

قَال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{فَاعْبُدُونِ} فِي أيِّ أَرضٍ تَيَسَّرَتْ فِيهَا العبادةُ، بأن تُهاجِرُوا إليها مِنْ أرْضٍ لم تَتَيَسَّرْ فيها، نَزَلَ في ضُعفاءٍ مُسْلِمي مَكَّةَ كانُوا فِي ضِيقٍ مِنْ إظْهارِ الإسْلامِ بِهَا]: فاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ رَغِبَ في الهِجرةِ في قولِهِ: {أَرْضِي وَاسِعَةٌ}، وأمَرَ بها في قولِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ}؛ لأن العِبادَةَ لا تَتَحَقَّقُ في بلدِ الكُفْرِ، فإذا لم تَتحَقَّقْ فما لا يَتِمُّ الواجِبُ إلا به فهو واجبٌ، فعلى هذا تكون الِهجْرَةُ واجِبَةً.

وقَال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [نَزَلَ في ضُعفاء مُسْلِمِي مَكَّةَ] صحيح، كانوا في ضِيقٍ

<<  <   >  >>