للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والمصطَلَحُ عليه عندَ أهلِ العِلمِ الثانِي، فإذا أطلْقُوا الفِسْقَ فإنما يُريدُونَ به ما لا يُخرِج من المِلَّةِ، لكنه في القرآن ينقسم إلى هذين القِسمَيْنِ؛ وهو بقِسْمَيْه مخرِجٌ من العَدالَةِ، فالفاسِقُ ليسَ بعَدْلٍ.

والشاهدُ من القُرْآن للفِسْقِ المخرجِ مِنَ الملَّة قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [يونس: ٣٣]، وكذلك قولُهُ تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ} [السجدة: ٢٠]، في مقابِلِ: {أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا}.

وأما الفِسْقُ الذي لا يُخرِجُ مِنَ الملَّةِ، ففي مثل قولِه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: ٦]، وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: ١٢١].

وأما سببُ الفِسْقِ -الذي هو الخروجُ عن الطَّاعَةِ- فقد يكون سبُبُه تركَ واجبٍ، كما لو تركَ الإنسانُ صلاةَ الجماعَةِ فإنه يكون فاسِقًا لأن الجماعَةَ واجبةٌ، وقد يكونُ سَبُبُه فِعْلَ محرمٍ كما لو حلَقَ لحيَتَهُ فإن حَلْق اللِّحيةِ مُحَرَّمٌ، إلا أن العلماءَ يقولون في المحرَّمِ إن كان كبيرةً: (فَسَقَ بمُجَرَّدِ فعلها إذا لم يَتُبْ منها)، وإن كانت صغيرة: (لم يَفْسُقْ إلا بالإصرارِ عليها)، فحالِقُ اللِّحْيَةِ لا يَفْسُقُ إذا فعَلَهُ مرَّةً واحدة، لكن إذا أصَرَّ، أي: كُلَّمَا نَبَتَتْ حَلقَها صارَ فاسِقًا، لكن قَصَّ اللَّحيَةِ ليس كحلْقِ اللِّحْيَةِ، لكنه مَعصيةٌ لأن الرسولَ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أَعْفُوا اللِّحَى" (١).

لو قال قائلٌ: إن عَذابَ قومِ لُوطٍ ذَكَرَهُ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في القرآنِ فقال تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} [القمر: ٣٤]، ويُذْكَرُ أن جِبريلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ


(١) أخرجه البخاري: كتاب اللباس، باب إعفاء اللحى، رقم (٥٥٥٤)؛ ومسلم: كتاب الطهارة، باب خصال الفطرة، رقم (٢٥٩).

<<  <   >  >>