للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله: {بِمَا} للسَّبَبِيَّة، و (ما) أعْربَها على أنها اسم موصولٌ ثم قَدَّرَها بالمصَدْرِ، مما يَدُلُّ على أنه جعَلَهَا مصدَرِيَّةٌ وهذا من الغرائبِ.

فعلى التَّقديرِ الأوَّلِ {بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [بالفِعْلِ الذي كانُوا يَفْسُقونَ بِهِ] فتكونُ (ما) اسمًا موصولًا صِفَةً لموصوفٍ محذُوفٍ تقدِيرُه: بالفعلِ، والاسمُ الموصولُ يحتاجُ إلى جملةٍ تكون صِلَةً، ويحتاجُ إلى عائدٍ يربِطُ الجملة بِهِ، أعنْي: جملةَ الصِّلَةِ، وهي قولُه: {بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}، والعائدُ قدَّرَهُ بقولِهِ: بِهِ.

وهذا خلافُ المشهور عندَ النَّحْوِيِّينَ من أنه إذا كانَ العائدُ مجرورًا، فلا بُدَّ أن يكونَ مُوافِقًا لاسم الموصول في نَوعِ العاملِ وفي نَوعِ حرفِ الجرِّ.

والشاهدُ من كَلامِ ابنِ مالكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ في اشتِراطِ هذا الشيء قوله (١):

كَذَا الَّذِي جُرَّ بِمَا المَوْصُولَ جُرّ ... كَـ (مُرَّ بِالَّذِي مَرَرْتُ فَهْوَ بَرّ)

فقال: كَـ (مُرَّ بِالَّذِي مَرَرْتُ فَهْوَ بَرٌّ)، وهنا اختلفَ العامِلُ، فالصحيحُ أن (ما) هنا مَصْدَرِيَّةٌ، أي: بكونِهم يَفْسُقونَ فهي مَصْدَرِيَّةٌ وليست موصولةً.

وقوله: {يَفسُقُونَ} الفِسْقُ في الأصل: هو الخُروجُ عن الطَّاعَةِ، ومِنْهُ قولهم: (فَسَقَتِ الثَّمرةُ) إذا خَرجتْ مِنْ قِشْرِهَا.

وينقَسِمُ الفِسْقُ إلى قِسمَيْنِ:

* فسقٌ أكْبَرُ مخرِجٌ عَنِ المِلَّةِ.

* وفِسقٌ أصغَرُ لا يُخرِج عَنِ المِلَّةِ.


(١) البيت رقم (١٠٤) من ألفيته.

<<  <   >  >>