تَعْمَلُونَ}، ولا أدْرِي كيف يتَصَوَّرُ الإنسانُ مَقْتَ هؤلاءِ لأنفسهمْ، لا شَكَّ أنهم سيَبغَضُونَ أنْفُسَهُم أشدَّ البغضِ ويقولونَ: هذا هو عَمَلُنَا، فتأْثِيرُهُم النفسي لا نظيرَ له.
الفَائِدةُ الرابعةَ عشرةَ: جوازُ التَّعْبِيرِ بالسَّبب عن المسَبَّبِ، لقولِهِ:{مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}، وهم في الحَقيقةِ لا يَذُوقون ما كانوا يعْمَلُونَ، إنما يذُوقُونَ جزاءَهَ، لكنه من بابِ التَّعْبِيرِ بالسَّببِ عن المسبَّبِ.
وأيضًا هو أشدُّ في التَّقْرِيعِ؛ لأن هذا العملَ اختَارُوه بأنفُسِهِمْ والجزاءُ لم يختارُوهُ بأنفسهم، فكأنه يقول: هذا هو الَّذِي اختَرْتُم تمامًا.
الفَائِدةُ الخامسةَ عشرةَ: أن الجزاءَ مِنْ جِنْسِ العَملِ، لقوله:{مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}، فنَجْعَلُ الجزاءَ هو نفسُ العملِ وهو نَظِيرهُ تمَامًا؛ لأنه عبَّرَ به عنه، وهو بالنسبَةِ للكفَّارِ وأهلِ الظلْم يجَازَوْنَ بقَدْرِ أعمالهِمْ، أما من عَمِلَ خَيْرًا فإنه يُجْزَى الحسنَةَ بعَشْرِ أمثالها إلى سبعمئة ضِعْفٍ إلى أضعْافٍ كثيرةٍ أعظمَ وأكثرَ.
الفَائِدةُ السادسةَ عشرةَ: إثباتُ العَدْلِ، حيثُ كان الجزاء من جِنْسِ العَملِ.
الفَائِدةُ السابعةَ عشرةَ: فيه رَدٌّ على الجبْرِيَّةِ الذين يقولون: إن الإنسان لَا يُضافُ إليه العَملُ إلا على سبيلِ المجازِ فقط. فعمَلُ الإنسان عندهم كإحْراقِ النار لما تَحْرِقُهُ، فهو شيء مُجْبَرٌ عليه بدونِ اختيارِهِ، وجه ذلك قوله تعالى:{مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.