للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فمثالُ الأوَّلِ الذي للتَّهديدِ: قوله تعالى: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} [آل عمران: ١٨١].

ومثالُ الذي للنَّصر والتَّأييدِ: قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: ٤٦].

ومثالُ المقصودِ به مجَرَّدُ الإدراكِ: أي الذي يُرادُ به بيانُ أن اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ محيطٌ بالشيءِ سميعٌ له قوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ} [المجادلة: ١].

كونُه تعالى سَمِيعًا هلْ يلْزَمُ منه إثباتُ الأُذُنِ؟

الجواب: لا يَلْزمُ، كما أن كونَه بَصِيرًا لا يلزمُ منه إثباتُ العَين، ولكن العَينَ ثَبتَتْ بدَلِيلٍ آخَرَ، ولولا أنَّ اللَّهَ أثْبَتَهَا لنَفْسِهِ بدليلٍ آخر ما أثْبَتْناهَا، فلا نقول: يلزمُ من كونِهِ سَمِيعًا أن يكونَ لَهُ أُذُن، كما لا يلزمُ من كونِه متَكَلِّمًا أن يكونَ له لِسانٌ وشَفتانِ وما أشبه ذلك، فإنَّنَا نعلمُ أن الأرض محدِّثُ أخْبارَهَا، ولا تُحدِّثُ إلَّا بسماعٍ، وليس لها أُذُنٌ فيما نَعلم، ولا نعلمُ أن لها لِسَانًا أيضًا، فعلى هذا نقول: لا يلزمُ مِنْ إثباتِ السمعِ إثباتُ الأُذُن.

فإذا قال قائلٌ: ولكن ثبت في الحديث الصحيح: "مَا أَذِنَ اللَّهُ لَشَيءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ" (١).

فالجواب: ما أَذِنَ له، أي: ما استَمَعَ له، وليس المعنى: ما قَدَّرَ؛ لأنه مُعَلَّقٌ بصوت، قال: "لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوتِ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ"، وإلا فإنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أذِنَ للناسِ


(١) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد، باب قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "المَاهِرُ بالْقُرآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ"، رقم (٧١٠٥)، ومسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب تحسين الصوت بالقرآن، رقم (٧٩٢).

<<  <   >  >>