للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ} فِعْلَ الفَاحِشَةِ بِعضِكُم ببَعْضٍ]: المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ فسَّرَهُ بفِعْلِ الفاحِشَةِ، وعلى هذا يكونُ فيه تَكْرارٌ، والأصَحُّ أن المنكرَ أعمُّ من فِعل الفاحِشَةِ، وهو: كلُّ ما يُنْكَرُ عُرْفًا أو شَرْعًا؛ ذَكروا من ذَلِكَ أنهم يتلاكَزُون، يعني: بعضُهم يلْكِزُ بعْضًا مع عَجِيزَتِهِ، وذَكرُوا من ذلك أيضًا أنهم يتَضَارَطُونَ (١) الضَّرطةَ المعروفةَ، وذكروا من ذلك أيضًا أنهم يحلُّون أُزْرتَهم -أي: أزرَة القِباءِ- يعني كما تقول العامة يدْلُعُون، وهذه ليست منكرة لكن بعضهم ذكر ذلك، وكذلك الحذْفُ بالحصَى، وكذلك الكلامُ الذي يتضَمَّنُ السخرية والاستهزاءَ، المهِمُّ أن المنْكرَ هو كلُّ ما يُنْكَرُ عُرفًا أو شَرْعًا فهو عامٌّ في كل شيءٍ.

وقد وُجِدَ في هذه الأمة من عَمِلَ عَملَ قومِ لوطٍ، وإذا سألت عن مجتمَعاتِهِمْ وجدتهم يفعلونَ مثلَ فِعل قومِ لوطٍ من السُّخْرِيَةِ والاستهزاء واللَّغَطِ واللَّهوِ وغير ذلك، والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ" (٢).

قوله: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} بعد هذا التَّوجِيهِ والإرْشادِ والإنْكارِ عليهم كان هذَا الجوابُ جوابَ المستكْبِرِ المتَحَدِّي.

وقوله: {فَمَا كَانَ جَوَابَ} {جَوَابَ} بالنَّصْبِ على أنها خبرُ كانَ مُقَدَّمًا {إِلَّا أَنْ قَالُوا} اسمْهَا مؤَخَّرٌ، التَّقْدِيرُ: (إلا قَولهُم).


(١) انظر لسان العرب، مادة (ضرط).
(٢) أخرجه الترمذي: كتاب الفتن، باب لتركبن سنن من كان قبلكم، رقم الحديث (٢١٨٠)، وأحمد (٥/ ٢١٨) (٢١٩٤٧) عن أبي واقد الليثي، وأصله عند البخاري بلفظ: "لتَتْبَعُنَّ (لتَتَّبعُنَّ) سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلكُمْ. . . "، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كانَ قَبْلَكُمْ. . . "، رقم الحديث (٦٨٨٩).

<<  <   >  >>