الفَائِدةُ الثَّالِثة: التَّركيزُ على الأمر الذي انغْمَسَ فيه الناسُ وإن كان غيرُهُ أولى مِنْهُ؛ لأن لُوطًا عَلَيْهِ السَّلَامُ لم يُرَكِّز على التَّوحيدِ في هذه القصَّةِ، لكنه ركَّزَ على العملِ السائدِ بينَ الناس، وما مِنْ رَسولٍ إلا ويدْعو قومَهُ إلى التَّوحيدِ، ولهذا بعضُ النَّاسِ إذا رأى بعضَ الدُّعاة يُنْكرُ شَيئًا مُعَيَّنًا انغَمَسَ فيه الناس، قال: النَّاسُ أشدُ من هذا، لماذا تتكلَّمُ على هذا، في الفَخِّ أكبرُ من العُصفورِ، يعني: لا تَتكَلَّمْ عنِ الملاهِي أو عَنِ الميْسِرِ أو عنِ الرِّبَا والناس لا يُصَلُّون، لماذا لا تتكلم على تَركِهِمُ الصَّلاةَ.
فنقول: لا مانِعَ أن يُرَكِّزَ الدُّعاةُ على ما انْغَمَسَ فيه الناسُ وإن كان غيرُهُ مما لم ينْغَمِسُوا فيه أهمَّ منه؛ لأن المقصودَ علاجُ هذا الدَّاءِ الذي انغْمَسَ فيه الناس.
الفَائِدةُ الرَّابِعَةُ: فُحْشُ اللُّواطِ -والعياذ باللَّه-، وهو إتْيانُ الذَّكَرِ الذَّكرَ، ولا رَيبَ أنه مِنْ أعظَمِ الفواحِشِ، وفي الآية الكريمَةِ لم يذْكُرْ حَدَّ اللُّواط، وكذلك السُّنَّةُ ليس فيها أحاديثُ صحيحةٌ صريحةٌ في حدِّ اللُّواطِ، ولذلك اختلف أهلُ العِلم على ثلاثةِ أقوالٍ:
القولُ الأَوَّلُ: أن حدَّهُ القَتْلُ بكلِّ حالٍ، يعني: سواء كان الفاعِلُ والمفعولُ به محُصَنَيْنِ أم غيرَ محُصَنٍ، والمحْصَنُ: هو الذي تزوَّجَ وجامَعَ في نِكاحٍ صَحيحٍ، واستَدَلُّوا بقولِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ:"مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، فَاقْتُلوا الْفَاعِلَ، وَالمفْعُولَ بِهِ"(١)، وهو حديثٌ أدْنَى أحوالِهِ أن يكونَ حَسَنًا.
(١) أخرجه أبو داود: كتاب الحدود، باب فيمن عمل عمل قوم لوط، رقم الحديث (٤٤٦٢)؛ والترمذي: كتاب الحدود، باب حد اللوطي، رقم الحديث (١٤٥٦)، وابن ماجه: كتاب الحدود، باب من عمل عمل قوم لوط، رقم الحديث (٢٥٦١)، وأحمد (١/ ٣٠٠) (٢٧٣٢).