يمكنُ أن يُقالَ: إنه من بابِ التَّرادُفِ وأن كلَّ واحدةٍ منهما -أي من اللام والباء- تأتي مَحِلَّ الأخْرى لكثرَةِ استعمالِ هذه وتلك، ويمكِنُ أن يقالَ بالتَّغَايُرِ، وأن اللامَ تدُلُّ على الاستِسْلامِ، وأما الباء فتَدُلُّ على طُمأنِينةٍ في القلب، فـ (اللام) للاستسلامِ فيُضَمَّنُ {فَآمَنَ لَهُ} بمعنى (انقاد)، وأما الباءُ فإنها تَدُلُّ على طمأنينة في القَلْبِ (فآمن به)، أي: اطْمَئنَّ به، واللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فرَّق بينهما في القُرآنِ الكريمِ في قوله تعالى:{يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ}[التوبة: ٦١]، وهذا في آيةٍ واحدَةٍ.
فالظاهرُ -واللَّه أعلم- مِنْ موارِدِهِما في القرآنِ الكريمِ أنهما ليْستَا متَرادِفتينِ وأن بينهُما فَرْقًا، فما كانَ فيه معنى الطمأنينةِ فهو بالباءِ، وما كان مُضَمَّنًا لمعنى الانْقيادِ ولو ظاهِرًا فإنه يأتي باللَّامِ.
مثالُ ذلك مِنَ القُرآنِ: سَحرةُ فرْعونَ، قال لهم فرعونُ مرَّة:{آمَنْتُمْ لَهُ} وقال مرة أخرى: {آمَنْتُمْ بِهِ} فهل القولانِ معناهما واحد؟
الجواب: لا، بناءٌ على ما تقدَّمَ، فيكون معنى:{آمَنْتُمْ بِهِ}، أي: صدَّقْتُمْ به بطُمأنِينَةٍ واطمأنت قلوبُكُم بصِدقِهِ، ومعنى:{آمَنْتُمْ لَهُ}، أي: تابَعْتُموهُ واستَسْلَمْتُمْ له، ولهذا قال لهم:{إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْر}[الشعراء: ٤٩]، وإذا أَخْذَنَا بمجموعِ الآيتين يكونُ المعنْى أنه قرَّرَ أنهم اطمأنوا بِهِ وانقَادُوا له، أي: أنهم مُعتَرفُونَ به وبصِدْقِه وانقَادُوا له أيضًا بسِحْرِهِ.
وعلى هذا لا يَصِحُّ أن نقول: إن (الباء) و (اللام) إذا اجتمعا افتَرقَا في المعنى، وإذا افترقَا اجتَمعا؛ لأننا في الحقيقةِ لو تَتَبَّعْنا اللام لوجدناهَا تأتِي فِي أمورٍ لا تقْتَضي الطمأنينة، ولهذا لم يأتِ في القرآن: آمنت للَّه، لكن جاء: أسلمت للَّه، فتَنْزِلُ كُلَّ آيةٍ علَى معنى.